للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (٤) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (٦) }

{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} يَعْنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذُرِّيَّتَهُ. {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} رَوَى الوالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي نَصَبٍ. قَالَ الْحَسَنُ: يُكَابِدُ مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَشَدَائِدَ الْآخِرَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي مَشَقَّةٍ فَلَا تَلْقَاهُ إِلَّا يُكَابِدُ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: [فِي شِدَّةٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ] : (١) فِي شِدَّةِ خَلْقٍ حَمْلِهِ وَوِلَادَتِهِ وَرَضَاعِهِ، وَفِطَامِهِ وَفِصَالِهِ وَمَعَاشِهِ وَحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ.

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: عِنْدَ نَبَاتِ أَسْنَانِهِ. قَالَ يَمَانٌ: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ خَلْقًا يُكَابِدُ مَا يُكَابِدُ ابْنُ آدَمَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَضْعَفُ الْخَلْقِ. وَأَصْلُ الْكَبَدِ: الشِّدَّةُ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَطِيَّةُ، وَالضَّحَّاكُ: يَعْنِي مُنْتَصِبًا مُعْتَدِلَ الْقَامَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ فَإِنَّهُ يَمْشِي مُكِبًّا، وَهِيَ رِوَايَةُ مُقْسِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، [وَأَصْلُ] (٢) والكبد: الِاسْتِوَاءُ وَالِاسْتِقَامَةُ.

وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: مُنْتَصِبًا رَأَسُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي خُرُوجِهِ انْقَلَبَ رَأْسُهُ إِلَى رِجْلَيْ أُمِّهِ.

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: "فِي كَبَدٍ" أَيْ فِي قُوَّةٍ.

نَزَلَتْ فِي أَبِي الْأَشَدَّيْنِ وَاسْمُهُ أُسَيْدُ بْنُ كِلْدَةَ الْجُمَحِيُّ وَكَانَ شَدِيدًا قَوِيًّا يَضَعُ الْأَدِيمَ الْعُكَاظِيَّ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَيَقُولُ: مَنْ أَزَالَنِي عَنْهُ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، فَلَا يُطَاقُ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ إِلَّا قَطْعًا وَيَبْقَى مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ. {أَيَحْسَبُ} يَعْنِي أَبَا الْأَشَدَّيْنِ مِنْ قُوَّتِهِ، {أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} أَيْ: يَظُنُّ مِنْ شِدَّتِهِ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَقِيلَ: هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. {يَقُولُ أَهْلَكْتُ} يَعْنِي أَنْفَقْتُ، {مَالًا لُبَدًا} أَيْ كَثِيرًا بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، مِنَ التَّلْبِيدِ، فِي عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ لُبَّدًا بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ على جمع لا بد، مِثْلُ رَاكِعٍ وَرُكَّعٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى جَمْعِ "لِبْدَةٍ"، وَقِيلَ عَلَى الْوَاحِدِ مِثْلُ قُثَمٍ وَحُطَمٍ.


(١) ما بين القوسين من "أ".
(٢) ساقط من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>