للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَعْنِي: قَالَ الْكُفَّارُ لِلْمُؤْمِنِينَ، {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ} إِلَيْكُمْ، {قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ}

{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩) }

{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} جَاحِدُونَ.

{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْعَقْرُ هُوَ قَطْعُ عُرْقُوبِ الْبَعِيرِ، ثُمَّ جَعَلَ النَّحْرَ عَقْرًا لِأَنَّ نَاحِرَ الْبَعِيرِ يَعْقِرُهُ ثُمَّ يَنْحَرُهُ، {وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} وَالْعُتُوُّ الْغُلُوُّ فِي الْبَاطِلِ، يُقَالُ: عَتَا يَعْتُو عُتُوًّا: إِذَا اسْتَكْبَرُوا، وَالْمَعْنَى: عَصَوُا اللَّهَ وَتَرَكُوا أَمْرَهُ فِي النَّاقَةِ وَكَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ. {وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} أَيْ: مِنَ الْعَذَابِ، {إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}

{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} وَهِيَ زَلْزَلَةُ الْأَرْضِ وَحَرَكَتُهَا وَأَهْلَكُوا بِالصَّيْحَةِ وَالرَّجْفَةِ، {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ} قِيلَ: أَرَادَ الدِّيَارَ. وَقِيلَ: أَرَادَ فِي أَرْضِهِمْ وَبَلْدَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ وَحَّدَ الدَّارَ، {جَاثِمِينَ} خَامِدَيْنِ مَيِّتِينِ. قِيلَ: سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ مَوْتَى عَنْ آخِرِهِمْ.

{فَتَوَلَّى} أَعْرَضَ صَالِحٌ، {عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ بَعْدَمَا هَلَكُوا بِالرَّجْفَةِ؟

قِيلَ: كَمَا خَاطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُفَّارَ مِنْ قَتْلَى بَدْرٍ حِينَ أَلْقَاهُمْ فِي الْقَلِيبِ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ["وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ"] (١) مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لَا يُجِيبُونَ" (٢) .


(١) زيادة من "ب" ومن صحيح البخاري.
(٢) قطعة من حديث أنس بن مالك، أخرجه البخاري في المغازي، باب قتل أبي جهل: ٧ / ٣٠٠-٣٠١. وأخرج أيضا في الموضع نفسه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قليب بدر، فقال: "هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول" فذُكِر لعائشة فقالت: إنما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت: "إنك لا تسمع الموتى" حتى قرأت الآية. فكان هذا مما استدركته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على ابن عمر رضي الله عنهما وأنه وهم في قوله "ليسمعون"، وإنما هو بلفظ "إنهم ليعلمون". قال البيهقي: العلم لا يمنع من السماع. والجواب عن الآية: أنه لا يُسْمِعُهم وهم موتى. ولكن الله أحياهم حتى سمعوا، كما قال قتادة. ولم ينفرد عمر ولا ابنه - رضي الله عنهما - بحكاية ذلك، بل وافقهما: أبو طلحة، وللطبراني من حديث ابن مسعود مثله بإسناد صحيح، ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه، وفيه: "قالوا يا رسول الله وهل يسمعون"؟ قال: "يسمعون كما تسمعون، ولكن لا يجيبون"، وفي حديث ابن مسعود: "ولكنهم اليوم لا يجيبون". ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" وأخرجه أحمد بإسناد حسن، فإن كان محفوظا فكأنها رجعت عن الإنكار، لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة، لكونها لم تشهد القصة. انظر بالتفصيل: فتح الباري: ٧ / ٣٠٣-٣٠٤، الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي: ص (٩٩-١٠٠) ، الروض الأنف للسهيلي: ٢ / ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>