يَعْنِي أَوَلَمْ نُبَيِّنُ، {لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ} هَلَاكِ {أَهْلِهَا} الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا قَبْلَهُمْ {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ} أَيْ: أَخَذْنَاهُمْ وَعَاقَبْنَاهُمْ، {بِذُنُوبِهِمْ} كَمَا عَاقَبْنَا مَنْ قَبْلَهُمْ، {وَنَطْبَعُ} نَخْتِمُ {عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} الْإِيمَانَ وَلَا يَقْبَلُونَ الْمَوْعِظَةَ، قَالَ الزَّجَّاجُ: قَوْلُهُ {وَنَطْبَعُ عَلَى} مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ {أَصَبْنَاهُمْ} مَاضٍ وَ" نَطْبَعُ " مُسْتَقْبَلٌ.
{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (١٠١) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (١٠٢) }
{تِلْكَ الْقُرَى} أَيْ: هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي ذَكَرْتُ لَكَ أَمْرَهَا وَأَمْرَ أَهْلِهَا، يَعْنِي: قُرَى قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَشُعَيْبٍ، {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا} أَخْبَارِهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الِاعْتِبَارِ، {وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ وَالْعَجَائِبِ، {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ} أَيْ: فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمُعْجِزَاتِ وَالْعَجَائِبِ بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلِ رُؤْيَتِهِمْ تِلْكَ الْعَجَائِبَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ) (الْمَائِدَةُ-١٠٢) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي فَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ لِيُؤْمِنُوا عِنْدَ إِرْسَالِ الرُّسُلِ بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ يَوْمَ أُخِذَ مِيثَاقُهُمْ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ، فَأَقَرُّوا بِاللِّسَانِ وَأَضْمَرُوا التَّكْذِيبَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ فَمَا كَانُوا لَوْ أَحْيَيْنَاهُمْ بَعْدَ إِهْلَاكِهِمْ لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلِ هَلَاكِهِمْ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) (الْأَنْعَامُ-٢٨) .
قَالَ يَمَانُ بْنُ رَبَابٍ: هَذَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْعَذَابِ فَكَذَّبُوهُ، يَقُولُ: مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبَ بِهِ أَوَائِلُهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، بَلْ كَذَّبُوا بِمَا كَذَّبَ أَوَائِلُهُمْ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (الذَّارِيَاتُ-٥٢) . {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} أَيْ: كَمَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ الَّتِي أَهْلَكَهَا، كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَتَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُؤْمِنُوا مَنْ قَوْمِكَ.
{وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} أَيْ: وَفَاءً بِالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَهُمْ يَوْمَ الْمِيثَاقِ، حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِ آدَمَ {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} أَيْ: مَا وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ إِلَّا فَاسِقِينَ نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute