عَلَى لَفْظِ الْجَرَادِ، نَظِيرُهُا: "كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ"، (الْقَارِعَةِ -٤) وَأَرَادَ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فَزِعِينَ لَا جِهَةَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ يَقْصِدُهَا، كَالْجَرَادِ لَا جِهَةَ لَهَا، تَكُونُ مُخْتَلِطَةً بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ.
{مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) }
{مُهْطِعِينَ} مُسْرِعِينَ مُقْبِلِينَ {إِلَى الدَّاعِي} إِلَى صَوْتِ إِسْرَافِيلَ {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} يَوْمٌ صَعْبٌ شَدِيدٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} أَيْ: قَبْلَ أَهْلِ مَكَّةَ {قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} نُوحًا {وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} أَيْ: زَجَرُوهُ عَنْ دَعْوَتِهِ وَمَقَالَتِهِ بِالشَّتْمِ وَالْوَعِيدِ، وَقَالُوا: "لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ" (الشُّعَرَاءِ -١١٦) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَى: ازْدُجِرَ أَيِ: اسْتُطِيرَ جُنُونًا.
{فَدَعَا} نُوحٌ {رَبَّهُ} وَقَالَ {أَنِّي مَغْلُوبٌ} مَقْهُورٌ {فَانْتَصِرْ} فَانْتَقِمْ لِي مِنْهُمْ.
{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} مُنْصَبٍّ انْصِبَابًا شَدِيدًا، لَمْ يَنْقَطِعْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقَالَ يَمَانُ: قَدْ طَبَّقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ} يَعْنِي مَاءَ السَّمَاءِ وَمَاءَ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا قَالَ: "فَالْتَقَى الْمَاءُ" وَالِالْتِقَاءُ لَا يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ، إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَكُونُ جَمْعًا وَوَاحِدًا. وَقَرَأَ عَاصِمٌ الجحدري: فالتقى الماآن. {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أَيْ: قُضِيَ عَلَيْهِمْ فِي أُمِّ الْكِتَابِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: قَدَّرَ اللَّهُ أن يكون الماآن سَوَاءً فَكَانَا عَلَى مَا قُدِرَ.
{وَحَمَلْنَاهُ} يَعْنِي: نُوحًا {عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} أَيْ سَفِينَةٍ ذَاتِ أَلْوَاحٍ، ذَكَرَ النَّعْتَ وَتَرَكَ الِاسْمَ، أَرَادَ بِالْأَلْوَاحِ خَشَبَ السَّفِينَةِ الْعَرِيضَةِ {وَدُسُرٍ} أَيِ: الْمَسَامِيرُ الَّتِي تُشَدُّ بِهَا الْأَلْوَاحُ، وَاحِدُهَا دِسَارٌ وَدَسِيرٌ، يُقَالُ: دَسَرْتُ السَّفِينَةَ إِذَا شَدَدْتُهَا بِالْمَسَامِيرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الدُّسُرُ صَدْرُ السَّفِينَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تدسر الماء بجؤجؤها، أَيْ تَدْفَعُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ عَوَارِضُ السَّفِينَةِ. وَقِيلَ: أَضْلَاعُهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْأَلْوَاحُ جَانِبَاهَا، وَالدُّسُرُ أَصْلُهَا وَطَرَفَاهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute