للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرِّجَالَ فِي الْهِجْرَةِ وَلَا يَذْكُرُ النِّسَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} (١) قَالَ الْكَلْبِيُّ: فِي الدِّينِ وَالنُّصْرَةِ وَالْمُوَالَاةِ، وَقِيلَ: كُلُّكُمْ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: رِجَالُكُمْ شَكْلُ نِسَائِكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ شَكْلُ رِجَالِكُمْ فِي الطَّاعَةِ، كَمَا قَالَ: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" (التَّوْبَةِ -٧١) .

{فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي} أَيْ: فِي طَاعَتِي وَدِينِي، وَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ مَكَّةَ، {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا} قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ " وَقُتِّلُوا " بِالتَّشْدِيدِ وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي أَنَّهُمْ قُطِّعُوا فِي الْمَعْرَكَةِ، وَالْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ أَكْثَرُ الْقُرَّاءِ: {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا} يُرِيدُ أَنَّهُمْ قَاتَلُوا الْعَدُوَّ ثُمَّ أَنَّهُمْ قُتِلُوا وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ {وَقُتِلُوا وَقَاتَلُوا} وَلَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: مَعْنَاهُ وَقَاتَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ {وَقُتِلُوا} أَيْ: قُتِلَ بَعْضُهُمْ تَقُولُ الْعَرَبُ قَتَلْنَا بَنِي فُلَانٍ وَإِنَّمَا قَتَلُوا بَعْضَهُمْ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ {وَقُتِلُوا} وَقَدْ قَاتَلُوا، {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَاالأنْهَار ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} نُصِبَ عَلَى الْقَطْعِ قَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: مَصْدَرٌ أَيْ: لَأُثِيبَنَّهُمْ ثَوَابًا، {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}

{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٩٧) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (١٩٨) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ} نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي رَخَاءٍ وَلِينٍ مِنَ الْعَيْشِ يَتَّجِرُونَ وَيَتَنَعَّمُونَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا نَرَى مِنَ الْخَيْرِ وَنَحْنُ فِي الْجَهْدِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ} وَضَرْبُهُمْ فِي الْأَرْضِ وَتَصَرُّفُهُمْ فِي الْبِلَادِ لِلتِّجَارَاتِ وَأَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ فَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرُهُ.

{مَتَاعٌ قَلِيلٌ} أَيْ: هُوَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَبُلْغَةٌ فَانِيَةٌ وَمُتْعَةٌ زَائِلَةٌ، {ثُمَّ مَأْوَاهُمْ} مَصِيرُهُمْ، {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} الْفِرَاشُ.

{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا} جَزَاءً وَثَوَابًا، {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} نُصِبَ عَلَى التَّفْسِيرِ وَقِيلَ: جَعَلَ ذَلِكَ نُزُلًا {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا.


(١) أخرجه الترمذي في التفسير تفسير سورة النساء: ٨ / ٣٧٧ وصححه الحاكم في المستدرك: ٢ / ٣٠٠ على شرط البخاري والطبري في التفسير: ٧ / ٤٨٦ - ٤٨٧. وعزاه السيوطي أيضا لسعيد بن منصور وابن المنذر وعيد الرزاق وابن أبي حاتم والطبراني عن أم سلمة أيضا. انظر: الدر المنثور: ٢ / ٤١٢ ولباب النقول ص (١٥٠) بهامش الجلالين.

<<  <  ج: ص:  >  >>