للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. وَرُوِّينَا فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ: وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (١) . وَهَذَا رِوَايَةُ ابْنِ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، "وَالتَّدَلِّي" هُوَ النُّزُولُ إِلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَقْرَبَ مِنْهُ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: دَنَا جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهِ (٢) .

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: دَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبِّهِ فَتَدَلَّى فَأَهْوَى لِلسُّجُودِ، فَكَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "قَابَ قَوْسَيْنِ" أَيْ قَدْرَ قَوْسَيْنِ، وَ"الْقَابُ" وَ"الْقَيْبُ" وَ"الْقَادُ" وَ"الْقَيْدُ": عِبَارَةٌ عَنِ الْمِقْدَارِ، وَ"الْقَوْسُ": مَا يُرْمَى بِهِ فِي قَوْلِ الضَّحَّاكِ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ جِبْرِيلَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِقْدَارُ قَوْسَيْنِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى تَأْكِيدِ الْقُرْبِ. وَأَصْلُهُ: أَنَّ الْحَلِيفَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ كَانَا إِذَا أَرَادَا عَقْدَ الصَّفَاءِ وَالْعَهْدِ خَرَجَا بِقَوْسَيْهِمَا فَأَلْصَقَا بَيْنَهُمَا، يُرِيدَانِ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا مُتَظَاهِرَانِ يُحَامِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: "قَابَ قَوْسَيْنِ" أَيْ: قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَشَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، وَ"الْقَوْسُ": الذِّرَاعُ يُقَاسُ بِهَا كُلُّ شَيْءٍ، "أَوْ أَدْنَى": بَلْ أَقْرَبُ.

{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠) }

{فَأَوْحَى} أَيْ: أَوْحَى اللَّهُ {إِلَى عَبْدِهِ} مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ، وَالْكَلْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَالرَّبِيعِ، وَابْنِ زَيْدٍ: مَعْنَاهُ: أَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ (٣) .

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَوْحَى إِلَيْهِ: "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى" (الضُّحَى-٦) إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَرَفَعَنَا لَكَ ذِكْرَكَ"، (الشَّرْحِ-٤) وَقِيلَ: أَوْحَى إِلَيْهِ: إِنَّ الْجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أَنْتَ، وَعَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتُكَ (٤) .


(١) لمعرفة ما قاله أهل العلم في رواية شريك بن عبد الله وأوهامه في ألفاظ حديث المعراج انظر: فتح الباري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في قوله عز وجل: (وكلم الله موسى تكليما) : ١٣ / ٤٧٨-٤٨٠، ابن كثير: ٤ / ٢٥٠، الأسماء والصفات للبيهقي: ٢ / ١٨٧.
(٢) انظر: الأسماء والصفات: ٢ / ١٨٨.
(٣) انظر: الطبري:٢٧ / ٤٧، الأسماء والصفات: ٢ / ١٨٢.
(٤) ذكر القولين الحافظ ابن كثير: ٤ / ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>