للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورٍ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ} أَيْ: بِالْمَاءِ، {جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا} فِي الْجَنَّاتِ، {فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} شِتَاءً وَصَيْفًا، وَخُصَّ النَّخِيلُ وَالْأَعْنَابُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ فَوَاكِهِ الْعَرَبِ. {وَشَجَرَةً} أَيْ: وَأَنْشَأْنَا لَكُمْ شَجَرَةً {تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ} وَهِيَ الزَّيْتُونُ، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَبُو عَمْرٍو "سِينَاءَ" بِكَسْرِ السِّينِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ وَفِي "سِينِينَ" فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَطُورِ سِينِينَ" (التَّينِ -٢) قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ الْبَرَكَةُ، أَيْ: مِنْ جَبَلٍ مُبَارَكٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ الْحُسْنُ، أَيْ: مِنَ الْجَبَلِ الْحَسَنِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ بِالنَّبَطِيَّةِ، وَمَعْنَاهُ الْحُسْنُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ بِالْحَبَشِيَّةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ الشَّجَرُ، أَيْ: جَبَلٌ ذُو شَجَرٍ. وَقِيلَ: هُوَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ الْمُلْتَفَّةُ بِالْأَشْجَارِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كُلُّ جَبَلٍ فِيهِ أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ فَهُوَ سِينًا، وَسِينِينَ بِلُغَةِ النَّبَطِ. وَقِيلَ: هُوَ فَيْعَالُ مِنَ السَّنَاءِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي نُودِيَ مِنْهُ مُوسَى بَيْنَ مِصْرَ وَأَيْلَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَيْنَا اسْمُ حِجَارَةٍ بِعَيْنِهَا أُضِيفَ الْجَبَلُ إِلَيْهَا لِوُجُودِهَا عِنْدَهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ اسْمُ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ هَذَا الْجَبَلُ (١) .

{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَيَعْقُوبُ "تُنْبِتُ" بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْبَاءِ، فَمَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ التَّاءِ فَمَعْنَاهُ تَنْبُتُ تُثْمِرُ الدُّهْنَ وَهُوَ الزَّيْتُونُ. وَقِيلَ: تَنْبُتُ وَمَعَهَا الدُّهْنُ، وَمَنْ قَرَأَ بِضَمِّ التَّاءِ، اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ، مَعْنَاهُ: تُنْبِتُ الدُّهْنَ، كَمَا يُقَالُ: أَخَذْتُ ثَوْبَهُ وَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: نَبَتَ وَأَنْبَتَ لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ: رَأَيْتُ ذَوِي الحَاجَاتِ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ ... قَطِينًا لَهُمْ حَتَّى إِذَا أَنْبَتَ البَقْلُ (٢)

أَيْ: نَبَتَ، {وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} الصِّبْغُ وَالصِّبَّاغُ: الْإِدَامُ الَّذِي يُلَوِّنُ الْخُبْزَ إِذَا غُمِسَ فِيهِ وَيَنْصَبِغُ، وَالْإِدَامُ كُلُّ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ، سَوَاءٌ يَنْصَبِغُ بِهِ الْخُبْزُ أَوْ لَا يَنْصَبِغُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: جَعَلَ


(١) ذكر هذه الأقوال الطبري: ١٨ / ١٣ - ١٤ وقال مرجحا: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن سيناء اسم أضيف إليه الطور يعرف به، كما قيل جبلا طيئ، فأضيفا إلى طيئ، ولو كان القول في ذلك كما قال من قال: معناه: جبل مبارك، أو كما قال: من قال: معناه حسن، لكان الطور منونا، وكان قوله سيناء، من نعته، على أن سيناء بمعنى: مبارك وحسن، غير معروف في كلام العرب، فيجعل ذلك من نعت الجبل، ولكن القول في ذلك إن شاء الله، كما قال ابن عباس من أنه جبل عرف بذلك، وأنه الجبل الذي نودي منه موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مع ذلك مبارك، لا أن معنى سيناء: معنى مبارك".
(٢) انظر: "شرح ديوان زهير" ص (١١١) ، "تفسير الطبري" ١٨ / ١٤، "لسان العرب" لابن منظور، مادة (نبت) .

<<  <  ج: ص:  >  >>