للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، ثُمَّ حَمِدَ ثَلَاثًا وَكَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقَالَ: مَا يُضْحِكُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ١١٧/ب فَعَلَ مَا فَعَلْتُ، وَقَالَ مِثْلَ مَا قُلْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْنَا: مَا يُضْحِكُكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: "الْعَبْدُ"، أَوْ قَالَ: "عَجِبْتُ لِلْعَبْدِ إِذَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا هُوَ". (١)

{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} أَيْ نَصِيبًا وَبَعْضًا وَهُوَ قَوْلُهُمْ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَمَعْنَى الْجَعْلِ-هَاهُنَا-الْحُكْمُ بِالشَّيْءِ وَالْقَوْلُ، كَمَا تَقُولُ: جَعَلْتُ زَيْدًا أَفْضَلَ النَّاسِ، أَيْ وَصَفْتُهُ وَحَكَمْتُ بِهِ، {إِنَّ الْإِنْسَانَ} يَعْنِي الْكَافِرَ، {لَكَفُورٌ} جَحُودٌ لِنِعَمِ اللَّهِ، {مُبِينٌ} ظَاهِرُ الْكُفْرَانِ.

{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} هَذَا اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ وَإِنْكَارٍ، يَقُولُ: اتَّخَذَ رَبُّكُمْ لِنَفْسِهِ الْبَنَاتِ، {وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ} ؟ كقوله: "فأصفاكم رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ" (الْإِسْرَاءِ-٤٠) .

{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا} بِمَا جَعَلَ لِلَّهِ شَبَهًا، وَذَلِكَ أَنَّ وَلَدَ كُلِّ شَيْءٍ يُشْبِهُهُ، يَعْنِي إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْبَنَاتِ كَمَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ"، (النَّحْلِ-٥٨) مِنَ الْحُزْنِ وَالْغَيْظِ.

{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: "يُنَشَّأُ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ، أَيْ يُرَبَّى، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ، أَيْ يَنْبُتُ وَيَكْبُرُ، {فِي الْحِلْيَةِ} فِي الزِّينَةِ يَعْنِي النِّسَاءَ، {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} فِي الْمُخَاصَمَةِ غَيْرُ مُبِينٍ لِلْحُجَّةِ


(١) أخرجه أبو داود في الجهاد، باب: ما يقول الرجل إذا ركب: ٣ / ٤١٠، والترمذي في الدعوات، باب: ما جاء ما يقول إذا ركب دابة: ٩ / ٤٠٨-٤٠٩ وقال: "هذا حديث حسن صحيح" والنسائي في عمل اليوم والليلة ص (٣٤٩) ، والإمام أحمد: ١ / ١١٥، وابن حبان في الأذكار، باب: ما يقول إذا ركب الدابة برقم: (٢٣٨١) ص (٥٩١) ، والحاكم: ٢ / ٩٨ من طريق ميسرة بن حبيب النهدي عن المنهال بن عمرو، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، والمصنف في شرح السنة: ٥ / ١٣٨-١٣٩. وانظر: الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية لابن علان: ٥ / ١٢٥-١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>