قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ بِالْبَلَاغِ.
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَكَرُوا} يَعْنِي كُفَّارَ بني إسرائيل الذي أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ وَبَرُّوا فِي قَتْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ أَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ إِخْرَاجِ قَوْمِهِ إِيَّاهُ وَأُمَّهُ عَادَ إِلَيْهِمْ مَعَ الْحَوَارِيِّينَ، وَصَاحَ فِيهِمْ بِالدَّعْوَةِ فهموا بقتله وتواطؤوا عَلَى الْفَتْكِ بِهِ فَذَلِكَ مَكْرُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فَالْمَكْرُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ: الْخُبْثُ وَالْخَدِيعَةُ وَالْحِيلَةُ، وَالْمَكْرُ مِنَ اللَّهِ: اسْتِدْرَاجُ الْعَبْدِ وَأَخْذُهُ بَغْتَةً مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ كَمَا قَالَ: " سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ " (١٨٢ -الْأَعْرَافِ) وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُجَازَاتُهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ فَسَمَّى الْجَزَاءَ بِاسْمِ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: " اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ " (١٥ -الْبَقَرَةِ) " وَهُوَ خَادِعُهُمْ " (١٤٢ -النِّسَاءِ) وَمَكْرُ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً بِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ إِلْقَاؤُهُ الشَّبَهَ عَلَى صَاحِبِهِمُ الَّذِي أَرَادَ قَتْلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى قُتِلَ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ عِيسَى اسْتَقْبَلَ رَهْطًا مِنَ الْيَهُودِ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: قَدْ جَاءَ السَّاحِرُ ابْنُ السَّاحِرَةِ، وَالْفَاعِلُ ابْنُ الْفَاعِلَةِ، وَقَذَفُوهُ وَأَمَّهُ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ فَمَسَخَهُمُ اللَّهُ خَنَازِيرَ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ يَهُوذَا رَأْسُ الْيَهُودِ وَأَمِيرُهُمْ فَزِعَ لِذَلِكَ وَخَافَ دَعْوَتَهُ فَاجْتَمَعَتْ كَلِمَةُ الْيَهُودِ عَلَى قَتْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَثَارُوا إِلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ جِبْرِيلَ فَأَدْخَلَهُ فِي خَوْخَةٍ فِي سَقْفِهَا رَوْزَنَةٌ فَرَفْعَهُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ تِلْكَ الرَّوْزَنَةِ، فَأَمَرَ يَهُوذَا رَأْسُ الْيَهُودِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ: طَطْيَانُوسُ أَنْ يَدْخُلَ الْخَوْخَةَ وَيَقْتُلَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ لَمْ يَرَ عِيسَى، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ فَظَنُّوا أَنَّهُ يُقَاتِلُهُ فِيهَا، فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ شِبْهَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا خَرَجَ ظَنُّوا أَنَّهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ، قَالَ وَهْبٌ: طَرَقُوا عِيسَى فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، وَنَصَبُوا خَشَبَةً لِيَصْلُبُوهُ، فَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَحَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَجَمَعَ عِيسَى الْحَوَارِيِّينَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَوْصَاهُمْ ثُمَّ قَالَ: لَيَكْفُرَنَّ بِي أَحَدُكُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ وَيَبِيعُنِي بِدَرَاهِمَ يَسِيرَةٍ، فَخَرَجُوا وَتَفَرَّقُوا، وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَطْلُبُهُ، فَأَتَى أَحَدُ الْحَوَارِيِّينَ إِلَى الْيَهُودِ فَقَالَ لَهُمْ: مَا تَجْعَلُونَ لِي إِنْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى الْمَسِيحِ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَأَخَذَهَا وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ. وَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ شَبَهَ عِيسَى، فَرُفِعَ عِيسَى وَأُخِذَ الذي دلهم علي فَقَالَ: أَنَا الَّذِي دَلَلْتُكُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى قَوْلِهِ وَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ عِيسَى، فَلَمَّا صُلِبَ شِبْهُ عِيسَى، جَاءَتْ مَرْيَمُ أُمُّ عِيسَى وَامْرَأَةٌ كَانَ عِيسَى دَعَا لَهَا فَأَبْرَأَهَا اللَّهُ مِنَ الْجُنُونِ تَبْكِيَانِ عِنْدَ الْمَصْلُوبِ، فَجَاءَهُمَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُمَا: عَلَامَ تَبْكِيَانِ؟ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ رَفَعَنِي وَلَمْ يُصِبْنِي إِلَّا خَيْرٌ، وَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ شُبِّهَ لَهُمْ، فَلَّمَا كَانَ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: اهْبِطْ عَلَى مَرْيَمَ الْمَجْدَلَانِيَّةِ اسْمُ مَوْضِعٍ فِي جَبَلِهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْكِ عَلَيْكَ أَحَدٌ بُكَاءَهَا، وَلَمْ يَحْزَنْ حُزْنَهَا ثُمَّ لِيَجْتَمِعَ لَكَ الْحَوَارِيُّونَ فَبُثَّهُمْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute