للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[وَهَيْئَتِهَا] (١) كَمَا شَاءَ وَعَنِ الثِّيَابِ (٢) .

{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (٣٠) } .

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ} كَمَا أَرْسَلَنَا الْأَنْبِيَاءَ إِلَى الْأُمَمِ أَرْسَلْنَاكَ إِلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، {قَدْ خَلَتْ} مَضَتْ، {مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ} لِتَقْرَأَ، {عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} .

قَالَ قَتَادَةُ، وَمُقَاتِلٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ: الْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ نَزَلَتْ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو لَمَّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابَ الصُّلْحِ فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ١٩١/ألِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اكْتُبْ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، قَالُوا: لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إِلَّا صَاحِبَ الْيَمَامَةِ -يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ-اكْتُبْ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ: "بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ"، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} (٣) .

وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَسَبَبُ نُزُولِهَا: أَنَّ أَبَا جَهْلٍ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْحِجْرِ يَدْعُو يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ، فَرَجَعَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إِلَهَيْنِ؛ يَدْعُو اللَّهَ، وَيَدْعُو إِلَهًا آخَرَ يُسَمَّى الرَّحْمَنَ، وَلَا نَعْرِفُ الرحمن إلا رحمن الْيَمَامَةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (٤) } (الْإِسْرَاءُ -١١٠) .

وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ حِينَ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ، قَالُوا: وَمَا الرَّحْمَنُ (٥) ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ} لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الرَّحْمَنَ الَّذِي أَنْكَرْتُمْ مَعْرِفَتَهُ، {هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اعْتَمَدْتُ {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} أَيْ: تَوْبَتِي وَمَرْجِعِي.


(١) ساقط من "ب".
(٢) وأخرجه الطبري: ١٦ / ٤٣٨، وفيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف. وعزاه السيوطي أيضا: لعبد الرزاق، وابن أبي الدنيا، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. انظر: الدر المنثور: ٤ / ٦٤٣.
(٣) أخرجه الطبري: ١٦ / ٤٤٥-٤٤٦، وزاد السيوطي نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة، ولابن المنذر عن ابن جريج. انظر: الدر المنثور: ٤ / ٦٥٠، أسباب النزول للواحدي ص (٣١٥) ، القرطبي: ٩ / ٣١٧-٣١٨، البحر المحيط: ٥ / ٣٩٠.
(٤) انظر: تفسير القرطبي: ٩ / ٣١٨، ١٣ / ٦٤، البحر المحيط: ٥ / ٣٩٠.
(٥) انظر: أسباب النزول للواحدي ص (٣١٥) ، القرطبي: ٩ / ٣١٨، البحر المحيط: ٥ / ٣٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>