للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَغْتَبِقُوا أَوْ تَحْتَفِئُوا بِهَا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا" (١) .

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} الْآيَةَ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَزَيْدِ بْنِ الْمُهَلْهِلِ الطَّائِيَّيْنِ وَهُوَ زَيْدُ الْخَيْلِ الَّذِي سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ الْخَيْرِ، قَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِالْكِلَابِ وَالْبُزَاةِ فَمَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْهَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (٢) .

وَقِيلَ: سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَمَرْتَ بِقَتْلِهَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (٣) فَلَمَّا نَزَلَتْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اقْتِنَاءِ الْكِلَابِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا، وَنَهَى عَنْ إِمْسَاكِ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنْهَا.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ" (٤) وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فِي سَبَبِ نِزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ.

{قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} يَعْنِي: الذَّبَائِحَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: كُلُّ مَا تَسْتَطِيبُهُ الْعَرَبُ


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند: ٥ / ٢١٨، والدارمي في الأضاحي، باب في أكل الميتة للمضطر: ٢ / ٨٨. وأخرجه أيضا: البيهقي والطبراني، ورجاله ثقات، إلا أن في إسناده انقطاعا، فإن حسان بن عطية لم يسمع من أبي واقد الليثي، واختلف في صحبة أبي واقد. وأخرجه المصنف أيضا في شرح السنة: ١١ / ٣٤٧، وساقه ابن كثير برواية الإمام أحمد وقال: "هو إسناد صحيح على شرط الشيخين". ومعنى قوله "تحتفئوا بها بقلا": قال أبو عبيد: بلغني أنه من الحفاء، مهموز مقصور، وهو أصل البردي الأبيض الرطب منه، وهو يؤكل، يقول: ما لم تقتلعوا هذا بعينه، فتأكلوه. وقيل: صوابه "ما لم تحتفوها بها بقلا" مخفف الفاء غير مهموز، وكل شيء استؤصل فقد احتفي، ومنه إحفاء الشعر، يقال: احتفى الرجل يحتفي: إذا أخذ من وجه الأرض بأطراف أصابعه. وقال: معنى الحديث: إنما لكم منها، يعني من الميتة، الصبوح: وهو الغداء، أو الغبوق: وهو العشاء، فليس لكم أن تجمعوهما من الميتة. وأنكروا هذا على أبي عبيد، وقالوا: معناه: إذا لم تجدوا صبوحا أو غبوقا، ولم تجدوا بقلة تأكلونها حلت لكم الميتة ... انظر: شرح السنة: ١١ / ٣٤٧-٣٤٨.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، انظر: الدر المنثور: ٣ / ٢٠، أسباب النزول للواحدي ص (٢٢٢-٢٢٣) .
(٣) أخرجه الحاكم عن أبي رافع: ٢ / ٣١١ وصححه، ووافقه الذهبي، وانظر: أسباب النزول للواحدي ص (٢٢١) ، الدر المنثور: ٣ / ٢١.
(٤) أخرجه البخاري في الحرث والمزارعة، باب اقتناء الكلب للحرث: ٥ / ٥، بلفظ "من أمسك كلبا فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط، إلا كلب حرث أو ماشية".
وأخرجه مسلم في المساقاة، باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه، وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك (١٥٧٥) : ٣ / ١٢٠٣، والمصنف في شرح السنة: ١١ / ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>