قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}
{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (١٩) }
{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} يَعْنِي: الْمَعَاصِي {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} وَوَقَعَ فِي النَّزْعِ، {قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} وَهِيَ حَالَةُ السَّوْقِ حِينَ تُسَاقُ رُوحُهُ، لَا يُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ إِيمَانٌ وَلَا مِنْ عَاصٍ تَوْبَةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا" (غَافِرِ -٨٥) ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْفَعُ إِيمَانُ فِرْعَوْنَ حِينَ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ. {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا} أَيْ: هَيَّأْنَا وَأَعْدَدْنَا، {لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَهُ امْرَأَةٌ جَاءَ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ قَرِيبُهُ مِنْ عَصَبَتِهِ فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَى تِلْكَ الْمَرْأَةِ وَعَلَى خِبَائِهَا، فَصَارَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ نَفْسِهَا وَمِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ شَاءَ تَزَوُّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ إِلَّا الصَّدَاقَ الْأَوَّلَ الَّذِي أَصْدَقَهَا الْمَيِّتُ، وَإِنْ شَاءَ زَوَّجَهَا غَيْرَهُ وَأَخَذَ صَدَاقَهَا، وَإِنْ شَاءَ عَضَلَهَا وَمَنَعَهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ يُضَارُّهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا وَرِثَتْهُ مِنَ الْمَيِّتِ، أَوْ تَمُوتَ هِيَ فَيَرِثُهَا، فَإِنْ ذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى أَهْلِهَا قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَ عَلَيْهَا وَلِيُّ زَوْجِهَا ثَوْبَهُ فَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، فَكَانُوا عَلَى هَذَا حَتَّى تُوُفِّيَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيُّ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ كُبَيْشَةَ بِنْتَ مَعْنٍ الْأَنْصَارِيَّةَ، فَقَامَ ابْنٌ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا يُقَالُ لَهُ حِصْنٌ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ أَبِي قَيْسٍ، فَطَرَحَ ثَوْبَهُ عَلَيْهَا فَوَرِثَ نِكَاحَهَا، ثُمَّ تَرَكَهَا وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا، يُضَارُّهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ، فَأَتَتْ كُبَيْشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا قَيْسٍ تُوُفِّيَ وَوَرِثَ نِكَاحِي ابْنُهُ فَلَا هُوَ يُنْفِقُ عَلَيَّ وَلَا يَدْخُلُ بِي وَلَا يُخَلِّي سَبِيلِي، فَقَالَ: "اقْعُدِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَأْتِيَ فِيكِ أَمْرُ اللَّهِ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute