للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْحَسُّ: هُوَ الِاسْتِئْصَالُ بِالْقَتْلِ.

{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} أَيْ: إِنْ جَبُنْتُمْ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَلَمَّا فَشِلْتُمْ، {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ} وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ فِي {وَتَنَازَعْتُمْ} يَعْنِي: حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ تَنَازَعْتُمْ، وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: حَتَّى إِذَا تَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ فَشِلْتُمْ وَمَعْنَى التَّنَازُعِ الِاخْتِلَافُ.

وَكَانَ اخْتِلَافُهُمْ أَنَّ الرُّمَاةَ اخْتَلَفُوا حِينَ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ بَعْضُهُمُ: انْهَزَمَ الْقَوْمُ فَمَا مُقَامُنَا؟ وَأَقْبَلُوا عَلَى الْغَنِيمَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُجَاوِزُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ دُونَ الْعَشْرَةِ.

فَلَمَّا رَأَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ذَلِكَ حَمَلُوا عَلَى الرُّمَاةِ فَقَتَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَصْحَابَهُ، وَأَقْبَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَحَالَتِ الرِّيحُ فَصَارَتْ دَبُوَرًا بَعْدَ مَا كَانَتْ صَبًا (١) وَانْتَقَضَتْ صُفُوفَ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتَلَطُوا فَجَعَلُوا يَقْتُلُونَ عَلَى غَيْرِ شِعَارٍ يَضْرِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا يَشْعُرُونَ مِنَ الدَّهَشِ، وَنَادَى إِبْلِيسُ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الْهَزِيمَةِ لِلْمُسْلِمِينَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَصَيْتُمْ} يَعْنِي: الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَالَفْتُمُ أمره، {مِنْ بَعْدِمَا أَرَاكُمْ} اللَّهُ {مَا تُحِبُّونَ} يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الظَّفَرِ وَالْغَنِيمَةِ، {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} يَعْنِي: الَّذِينَ تَرَكُوا الْمَرْكَزَ وَأَقْبَلُوا عَلَى النَّهْبِ، {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} يَعْنِي: الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ حَتَّى قُتِلُوا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا شَعَرْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الدُّنْيَا حَتَّى كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ} أَيْ: رَدَّكُمْ عَنْهُمْ بِالْهَزِيمَةِ، {لِيَبْتَلِيَكُمْ} لِيَمْتَحِنَكُمْ وَقِيلَ: لُيُنْزِلَ الْبَلَاءَ عَلَيْكُمْ {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} يَسْتَأْصِلُكُمْ بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُخَالَفَةِ، {وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}

{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٥٣) }

{إِذْ تُصْعِدُونَ} يَعْنِي: وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ إِذْ تُصْعِدُونَ هَارِبِينَ، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ {تَصْعَدُونَ} بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ.

وَالْإِصْعَادُ: السَّيْرُ فِي مُسْتَوَى الْأَرْضِ وَالصُّعُودُ: الِارْتِفَاعُ عَلَى الْجِبَالِ وَالسُّطُوحِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُقَالُ


(١) الدبور: الريح التي تقابل الصَّبا والصَّبا: ريح تهب من مطلع الثريا.

<<  <  ج: ص:  >  >>