فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {الم اللَّهُ} مَفْتُوحُ الْمِيمِ، مَوْصُولٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَإِنَّمَا فَتْحُ الْمِيمِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ حُرِّكَ إِلَى أَخَفِّ الْحَرَكَاتِ وَقَرَأَ أَبُو يُوسُفَ وَيَعْقُوبُ بْنُ خَلِيفَةَ الْأَعْشَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ {الم اللَّهُ} مَقْطُوعًا سَكَّنَ الْمِيمَ عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ ثُمَّ قَطَعَ الْهَمْزَةَ لِلِابْتِدَاءِ وَأَجْرَاهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقْطَعُ أَلِفَ الْوَصْلِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى {اللَّهُ} ابْتِدَاءٌ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرٌ، وَالْحَيُّ الْقَيُّومُ نَعْتٌ لَهُ.
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} أَيِ الْقُرْآنَ {بِالْحَقِّ} بِالصِّدْقِ {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّاتِ وَالْأَخْبَارِ وَبَعْضِ الشَّرَائِعِ {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ} وَإِنَّمَا قَالَ: وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ لِأَنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ أُنْزِلَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ فِي الْقُرْآنِ "نَزَّلَ" لِأَنَّهُ نَزَلَ مُفَصَّلًا وَالتَّنْزِيلُ لِلتَّكْثِيرِ، وَالتَّوْرَاةُ قَالَ الْبَصْرِيُّونَ: أَصْلُهَا وَوْرَيَةٌ عَلَى وَزْنِ فَوْعَلَةٍ مِثْلَ: دَوْحَلَةٍ وَحَوْقَلَةٍ، فَحُوِّلَتِ الْوَاوُ الْأُولَى تَاءً وَجُعِلَتِ الْيَاءُ الْمَفْتُوحَةُ أَلِفًا فَصَارَتْ تَوْرَاةً، ثُمَّ كُتِبَتْ بِالْيَاءِ عَلَى أَصْلِ الْكَلِمَةِ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: أَصْلُهَا تَفْعِلَةٌ مِثْلَ تَوْصِيَةٍ وَتَوْفِيَةٍ فَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلِفًا على لغة طيء فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلْجَارِيَةِ جَارَاةً، وَلِلتَّوْصِيَةِ تَوْصَاةً، وَأَصْلُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ: وَرَى الزَّنْدُ إِذَا خَرَجَتْ نَارُهُ، وَأَوْرَيْتُهُ أَنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ " (الْوَاقِعَةِ -٧١) فَسُمِّيَ التَّوْرَاةَ لِأَنَّهَا نُورٌ وَضِيَاءٌ، قَالَ اللَّهُ تعالى: " وضياء وذكرى لِلْمُتَّقِينَ " (الْأَنْبِيَاءِ -٤٨) وَقِيلَ هِيَ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهِيَ كِتْمَانُ [السِّرِّ] (١) وَالتَّعْرِيضُ بِغَيْرِهِ، وَكَانَ أَكْثَرُ التَّوْرَاةِ مَعَارِيضَ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ.
وَالْإِنْجِيلُ: إِفْعِيلٌ مِنَ النَّجْلِ وَهُوَ الْخُرُوجُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْوَلَدُ نَجْلًا لِخُرُوجِهِ، فَسُمِّيَ الْإِنْجِيلُ بِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْرَجَ بِهِ دَارِسًا مِنَ الْحَقِّ عَافِيًا، وَيُقَالُ: هُوَ مِنَ النَّجَلِ وَهُوَ سَعَةُ الْعَيْنِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ أُنْزِلَ سَعَةً لَهُمْ وَنُورًا، وَقِيلَ: التَّوْرَاةُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ تور، وتور مَعْنَاهُ الشَّرِيعَةُ، وَالْإِنْجِيلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ أنقليون وَمَعْنَاهُ الْإِكْلِيلُ.
{مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُدًى لِلنَّاسِ} هَادِيًا لِمَنْ تَبِعَهُ وَلَمْ يُثَنِّهِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} الْمُفَرِّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهَا وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالْفُرْقَانَ هُدًى لِلنَّاسِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}
{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى،
(١) في "ب" اليقين".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute