للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ: لَا تَجْعَلِ الْمَسَامِيرَ دِقَاقًا فَتُفْلِتُ وَلَا غِلَاظًا فَتَكْسِرُ الْحَلَقَ، وَيُقَالُ: "السَّرْدُ" الْمِسْمَارُ فِي الْحَلْقَةِ، يُقَالُ: دِرْعٌ مَسْرُودَةٌ أَيْ: مَسْمُورَةُ الْحَلَقِ، وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ اجْعَلْهُ عَلَى الْقَصْدِ وَقَدْرِ الْحَاجَةِ، {وَاعْمَلُوا صَالِحًا} يُرِيدُ: دَاوُدَ وَآلَهُ، {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}

{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (١٣) }

{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ} أَيْ: وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ: الرِّيحُ بِالرَّفْعِ أَيْ: لَهُ تَسْخِيرُ الرِّيحِ، {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} أَيْ: سَيْرُ غُدُوِّ تِلْكَ الرِّيحِ الْمُسَخَّرَةِ لَهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَسَيْرُ رَوَاحِهَا مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَكَانَتْ تَسِيرُ بِهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَسِيرَةَ شَهْرَيْنِ.

قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ يَغْدُو مِنْ دِمَشْقَ فَيَقِيلُ بِاصْطَخْرَ وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ، ثُمَّ يَرُوحُ مِنْ اصْطَخْرَ فَيَبِيتُ بِكَابُلَ وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ. وَقِيلَ: إنه كان يتغذى بِالرَّيِّ وَيَتَعَشَّى بِسَمَرْقَنْدَ. (١)

{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} أَيْ: أَذَبْنَا لَهُ عَيْنَ النُّحَاسِ، وَ"الْقِطْرِ": النُّحَاسُ.

قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: أُجْرِيَتْ لَهُ عَيْنُ النُّحَاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ كَجَرْيِ الْمَاءِ، وَكَانَ بِأَرْضِ الْيَمَنِ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ النَّاسُ الْيَوْمَ بِمَا أَخْرَجَ اللَّهُ لِسُلَيْمَانَ. (٢)

{وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} بِأَمْرِ رَبِّهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَخَّرَ اللَّهُ الْجِنَّ لِسُلَيْمَانَ وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ فِيمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، {وَمَنْ يَزِغْ} أَيْ: يَعْدِلْ، {مِنْهُمْ} مِنَ الْجِنِّ، {عَنْ أَمْرِنَا} الَّذِي أَمَرْنَا بِهِ مِنْ طَاعَةِ سُلَيْمَانَ، {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} فِي الْآخِرَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِهِمْ مَلَكًا بِيَدِهِ سَوْطٌ مِنْ نَارٍ فَمَنْ زَاغَ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِ سُلَيْمَانَ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَحْرَقَتْهُ. {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} أَيْ: مَسَاجِدَ، وَالْأَبْنِيَةِ الْمُرْتَفِعَةِ، وَكَانَ مِمَّا عَمِلُوا لَهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ابْتَدَأَهُ دَاوُدُ وَرَفَعَهُ قَدْرَ قَامَةِ رَجُلٍ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنِّي لَمْ أَقَضْ ذَلِكَ عَلَى يَدِكَ وَلَكِنِ ابْنٌ


(١) انظر فيما سبق تفسير سورة الأنبياء.
(٢) هذا القول ملفق من روايتين ذكرهما ابن كثير: ٣ / ٥٢٩، السيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٦٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>