للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ مَدَنِيَّةٌ (١) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) }

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} الْآيَةَ. نَزَلَتْ فِي خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ كَانَتْ تَحْتَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، وَكَانَتْ حَسَنَةَ الْجِسْمِ وَكَانَ بِهِ لَمَمٌ فَأَرَادَهَا فَأَبَتْ، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلِيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، ثُمَّ نَدِمَ عَلَى مَا قَالَ. وَكَانَ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ مِنْ طَلَاقِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ لَهَا: مَا أَظُنُّكِ إِلَّا قَدْ حَرُمْتِ عَلَيَّ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا ذَاكَ طَلَاقٌ، وَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ -فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِي أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ تُزَوَّجَنِي وَأَنَا شَابَّةٌ غَنِيَّةٌ ذَاتُ مَالٍ وَأَهْلٍ حَتَّى إِذَا أَكَلَ مَالِي وَأَفْنَى شَبَابِي وَتَفَرَّقَ أَهْلِي وَكَبُرَ سِنِّي ظَاهَرَ مِنِّي، وَقَدْ نَدِمَ، فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ يَجْمَعُنِي وَإِيَّاهُ تُنْعِشُنِي بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَرُمْتِ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا وَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَرُمْتِ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ فَاقَتِي وَوَحْدَتِي قَدْ طَالَتْ صُحْبَتِي وَنَفَضَتْ لَهُ بَطْنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَرَاكِ إِلَّا قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ، وَلِمَ أُومَرْ فِي شَأْنِكِ بِشَيْءٍ، فَجَعَلَتْ تُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَرُمْتِ عَلَيْهِ هَتَفَتْ وَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ فَاقَتِي وَشِدَّةَ حَالِي وَإِنَّ لِي صِبْيَةً صِغَارًا إِنْ ضَمَمْتُهُمْ إِلَيْهِ ضَاعُوا وَإِنْ ضَمَمْتُهُمْ إِلَيَّ جَاعُوا، وَجَعَلَتْ تَرْفَعُ رَأْسَهَا إِلَى السَّمَاءِ وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ فَأَنْزِلْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ، وَكَانَ هَذَا أَوَّلُ ظِهَارٍ فِي الْإِسْلَامِ.


(١) أخرج ابن الضريس والنحاس وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة المجادلة بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله، والله أعلم. انظر: الدر المنثور: ٨ / ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>