للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ: كَافٍ لِخَلْقِهِ، هَادٍ لِعِبَادِهِ، يَدُهُ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، عَالِمٌ بِبَرِّيَّتِهِ، صَادَقٌ فِي وَعْدِهِ (١) {ذِكْرُ} رُفِعَ بِالْمُضْمَرِ، أَيْ: هَذَا الَّذِي نَتْلُوهُ عَلَيْكَ ذِكْرُ {رَحْمَةِ رَبِّكَ} [وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ] (٢) مَعْنَاهُ: ذِكْرُ رَبِّكَ {عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} بِرَحْمَتِهِ.

{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) }

{إِذْ نَادَى} دَعَا {رَبَّهُ} فِي مِحْرَابِهِ {نِدَاءً خَفِيًّا} دَعَا سِرًّا مِنْ قَوْمِهِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ. {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ} ضَعُفَ وَرَقَّ {الْعَظْمُ مِنِّي} مِنَ الْكِبَرِ. قَالَ قَتَادَةُ: اشْتَكَى سُقُوطَ الْأَضْرَاسِ {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ} أَيْ: ابْيَضَّ شَعْرُ الرَّأْسِ {شَيْبًا} شَمْطًا {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} يَقُولُ: عَوَّدْتَنِي الْإِجَابَةَ فِيمَا مَضَى وَلَمْ تُخَيِّبْنِي.

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَمَّا دَعَوْتَنِي إِلَى الْإِيمَانِ آمَنْتُ وَلَمْ أَشْقَ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ (٣) . {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ} و"الْمَوَالِي": بَنُو الْعَمِّ. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَصَبَةُ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: الْكَلَالَةُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْوَرَثَةُ (٤) {مِنْ وَرَائِي} أَيْ: مِنْ بَعْدِ مَوْتِي.

قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: {مِنْ وَرَائِيَ} بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَالْآخَرُونَ بِإِسْكَانِهَا.

{وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} لَا تَلِدُ {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ} أَعْطِنِي مِنْ عِنْدِكَ {وَلِيًّا} ابْنًا. {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ: بِجَزْمِ الثَّاءِ فِيهِمَا، عَلَى جَوَابِ الدُّعَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْحَالِ وَالصِّفَةِ، أَيْ: وَلِيًّا وَارِثًا.

وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِرْثِ؛ قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ يَرِثُنِي مَالِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ والْحُبُورَةَ.


(١) انظر هذه الأقوال في: "الطبري" ١٦ / ٤١-٤٥، "الدر المنثور" ٥ / ٤٧٧-٤٧٨، "زاد المسير" ٥ / ٢٠٥-٢٠٦ وتقدم الكلام على الحروف المقطعة في فواتح السور فيما سبق: ١ / ٥٨-٥٩، وراجع "تفسير الطبري": ١ / ٢٠٥-٢٢٤، "تفسير الواحدي" ١ / ٢٥-٢٦.
(٢) ساقط من "أ".
(٣) ساقط من "أ".
(٤) هذه المعاني متقاربة، فالورثة هم العصبة، وبنو العم من الورثة، والكل من الأقارب.

<<  <  ج: ص:  >  >>