للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٥٦) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٥٧) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (٥٩) }

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، {مَا لَا يَنْفَعُهُمْ} إِنْ عَبَدُوهُ، {وَلَا يَضُرُّهُمْ} إِنْ تَرَكُوهُ، {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} أَيْ: مُعِينًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى رَبِّهِ بِالْمَعَاصِي. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: يُعَاوِنُ الشَّيْطَانُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ لِأَنَّ عِبَادَتَهُمُ الْأَصْنَامَ مُعَاوَنَةٌ لِلشَّيْطَانِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا، أَيْ: هَيِّنًا ذَلِيلًا كَمَا يُقَالُ الرَّجُلُ: جَعَلَنِي بِظَهِيرٍ، أَيْ: جَعَلَنِي هَيِّنًا. وَيُقَالُ: ظَهِرْتُ بِهِ، إِذَا جَعَلَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} أَيْ: مُنْذِرًا. {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} عَلَى تَبْلِيغِ الْوَحْيِ، {مِنْ أَجْرٍ} فَتَقُولُوا إِنَّمَا يَطْلُبُ مُحَمَّدٌ أَمْوَالُنَا بِمَا يَدْعُونَا إِلَيْهِ فَلَا نَتَّبِعُهُ، {إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} هَذَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، مَجَازُهُ: لَكِنْ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِهِ فَعَلَ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى: لَا أَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي أَجْرًا وَلَكِنْ لَا أَمْنَعُ مِنْ إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي طَلَبِ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاتِّخَاذِ السَّبِيلِ إِلَى جَنَّتِهِ. {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} أَيْ: صَلِّ لَهُ شُكْرًا عَلَى نِعَمِهِ. وَقِيلَ: قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. {وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} عَالِمًا فَيُجَازِيهِمْ بِهَا. {الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} بِالرَّحْمَنِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ فَاسْأَلِ الْخَبِيرَ [بِذَلِكَ، يَعْنِي: بِمَا ذَكَرَ من خلق السموات وَالْأَرْضِ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ. وَقِيلَ:] (١) الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا بِهِ، وَالْمَعْنَى: أَيُّهَا الإنسان لا ترجح فِي طَلَبِ الْعِلْمِ بِهَذَا إِلَى غَيْرِي. وَقِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى "عَنْ"، أَيْ: فَاسْأَلْ عَنْهُ خَبِيرًا وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ: جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.


(١) ما بين القوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>