للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) }

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} وَفِيهِ مَتْرُوكٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ لِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ، مَجَازُهُ: فَأُجِيبُوا أَنْ لَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ، وَهَذَا الْعَذَابُ وَالْخُلُودُ فِي النَّارِ بِأَنَّكُمْ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ، إِذَا قِيلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [كَفَرْتُمْ] (١) وَقُلْتُمْ: "أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا" (ص-٥) {وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ} غَيْرُهُ، {تُؤْمِنُوا} تُصَدِّقُوا ذَلِكَ الشِّرْكَ، {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} الَّذِي لَا أَعْلَى مِنْهُ وَلَا أَكْبَرَ.

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} يَعْنِي: الْمَطَرَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْأَرْزَاقِ، {وَمَا يَتَذَكَّرُ} وَمَا يَتَّعِظُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ، {إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ.

{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الطَّاعَةَ وَالْعِبَادَةَ. {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} .

{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} رَافِعُ دَرَجَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ، {ذُو الْعَرْشِ} خَالِقُهُ وَمَالِكُهُ، {يُلْقِي الرُّوحَ} يُنَزِّلُ الْوَحْيَ، سَمَّاهُ رُوحًا لِأَنَّهُ تَحْيَا بِهِ الْقُلُوبُ كَمَا تَحْيَا الْأَبْدَانُ بِالْأَرْوَاحِ، {مِنْ أَمْرِهِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ قَضَائِهِ. وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بِأَمْرِهِ. {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ} أَيْ: لِيُنْذِرَ النَّبِيُّ بِالْوَحْيِ، {يَوْمَ التَّلَاقِ} وَقَرَأَ يَعْقُوبُ بِالتَّاءِ أَيْ: لِتُنْذِرَ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ يَوْمَ التَّلَاقِ، يَوْمَ يَلْتَقِي أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ. قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: يَلْتَقِي فِيهِ الْخَلْقُ وَالْخَالِقُ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَتَلَاقَى الْعِبَادُ. وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: يَلْتَقِي الظَّالِمُ وَالْمَظْلُومُ وَالْخُصُومُ. وَقِيلَ: يَلْتَقِي الْعَابِدُونَ وَالْمَعْبُودُونَ. وَقِيلَ: يَلْتَقِي فِيهِ الْمَرْءُ مَعَ عَمَلِهِ (٢) .

{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} خَارِجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ ظَاهِرُونَ لَا يَسْتُرُهُمْ شَيْءٌ، {لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ} مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ، {شَيْءٌ} يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}


(١) في "ب" أنكرتم.
(٢) ذكر هذه الأقوال القرطبي: ١٥ / ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>