للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ: تَرَحَّمْ.

{وَزَكَاةً} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَعْنِي بِالزَّكَاةِ الطَّاعَةَ وَالْإِخْلَاصَ.

وَقَالَ قَتَادَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هِيَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ.

وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَآتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَتَحَنُّنًا عَلَى الْعِبَادِ، لِيَدْعُوَهُمْ إِلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ وَيَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا فِي إِخْلَاصٍ.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي صَدَقَةً تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَى أَبَوَيْهِ.

{وَكَانَ تَقِيًّا} مُسْلِمًا وَمُخْلِصًا مُطِيعًا، وَكَانَ مِنْ تَقْوَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً وَلَا هَمَّ بِهَا (١) .

{وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) }

{وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ} أَيْ بَارًّا لَطِيفًا بِهِمَا مُحْسِنًا إِلَيْهِمَا. {وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} وَ"الْجَبَّارُ": الْمُتَكَبِّرُ، وَقِيلَ: "الْجَبَّارُ": الَّذِي يَضْرِبُ وَيَقْتُلُ عَلَى الْغَضَبِ، وَ"الْعَصِيُّ": الْعَاصِي. {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ} أَيْ: سَلَامَةٌ لَهُ، {يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عيينة: أوحش ٦/ب (٢) مَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ: يَوْمَ وُلِدَ فَيَخْرُجُ مِمَّا كَانَ فِيهِ، وَيَوْمَ يَمُوتُ فَيَرَى قَوْمًا لَمْ يَكُنْ عَايَنَهُمْ، وَيَوْمَ يُبْعَثُ فَيَرَى نَفْسَهُ فِي مَحْشَرٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهُ. فَخَصَّ يَحْيَى بِالسَّلَامَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ (٣) . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ} فِي الْقُرْآنِ {مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ} تَنَحَّتْ وَاعْتَزَلَتْ {مِنْ أَهْلِهَا} مِنْ قَوْمِهَا {مَكَانًا شَرْقِيًّا} أَيْ: مَكَانًا فِي الدَّارِ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ، وَكَانَ يَوْمًا شَاتِيًا شَدِيدَ الْبَرْدِ، فَجَلَسَتْ فِي مَشْرُقَةٍ تَفْلِي رَأْسَهَا.

وَقِيلَ: كَانَتْ طَهُرَتْ مِنَ الْمَحِيضِ، فَذَهَبَتْ لِتَغْتَسِلَ.


(١) أخرج الطبري في التفسير: ١٦ / ٥٨، وأحمد في "الزهد" وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان سعيد بن المسيب يقول: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب، إلا يحيى بن زكريا". وقال الحسن: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما أذنب يحيى بن زكريا قط ولا هم بامرأة". وكلاهما مرسل: انظر: "الدر المنثور": ٥ / ٤٨٦-٤٨٧، "تفسير ابن كثير": ٣ / ١١٤-١١٥، فقد ساق هذه الروايات وغيرها وأشار إلى ضعفها.
(٢) ٦/ب بداية الصفحة الأولى في المجلد الثاني لمخطوط الظاهرية.
(٣) أخرجه الطبري عن سفيان بن عيينة: ١٦ / ٥٨-٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>