للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا} الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيْهِ بِهَذَا وَبَعَثَ إِلَيْهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُؤْنِسُهُ وَيُبَشِّرُهُ بِالْخُرُوجِ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّهُ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا فَعَلُوهُ وَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١) .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ثُمَّ إِنَّهُمْ ذَبَحُوا سَخْلَةً وَجَعَلُوا دَمَهَا عَلَى قَمِيصِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (١٧) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨) } .

{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} قَالَ أهل المعاني: جاؤوا فِي ظُلْمَةِ الْعِشَاءِ لِيَكُونُوا أَجْرَأَ عَلَى الِاعْتِذَارِ بِالْكَذِبِ. وَرُوِيَ أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَمِعَ صِيَاحَهُمْ وَعَوِيلَهُمْ فَخَرَجَ وَقَالَ: مَا لَكُمْ يَا بَنِيَّ هَلْ أَصَابَكُمْ فِي غَنَمِكُمْ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَمَا أَصَابَكُمْ وَأَيْنَ يُوسُفُ؟؟.

{قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} أَيْ: نَتَرَامَى وَنَنْتَضِلُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَشْتَدُّ عَلَى أَقْدَامِنَا. {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} أَيْ: عِنْدَ ثِيَابِنَا وَأَقْمِشَتِنَا. {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} بِمُصَدِّقٍ لَنَا، {وَلَوْ كُنَّا} وَإِنْ كُنَّا {صَادِقِينَ} .

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالُوا لِيَعْقُوبَ أَنْتَ لَا تُصَدِّقُ الصَّادِقَ؟.

قِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّكَ تَتَّهِمُنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ لِأَنَّكَ خِفْتَنَا فِي الِابْتِدَاءِ وَاتَّهَمْتَنَا فِي حَقِّهِ.

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تُصَدِّقُنَا لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لَنَا عَلَى صِدْقِنَا وَإِنْ كُنَّا صَادِقِينَ عِنْدَ اللَّهِ.

{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} أَيْ: بِدَمٍ هُوَ كَذِبٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَمَ يُوسُفَ. وَقِيلَ: بِدَمٍ مَكْذُوبٍ فِيهِ، فَوَضَعَ الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الِاسْمِ.

وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّهُمْ لَطَّخُوا الْقَمِيصَ بِالدَّمِ وَلَمْ يَشُقُّوهُ، فَقَالَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَيْفَ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَلَمْ يَشُقَّ قَمِيصَهُ؟ فَاتَّهَمَهُمْ.

{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ} زَيَّنَتْ، {لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} مَعْنَاهُ: فَأَمْرِي صَبْرٌ جَمِيلٌ أَوْ فِعْلِي صَبْرٌ جَمِيلٌ.


(١) قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون الوحي حينئذ إلى يوسف برسول، ويحتمل أن يكون بإلهام أو نوم، وكل ذلك قد قيل. وقال الحسن: أعطاه الله النبوة في الجب. وهذا بعيد. انظر: المحرر الوجيز: ٤ / ٤٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>