وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: "حِينِ غَفْلَةٍ" كَانَ يَوْمَ عِيدٍ لَهُمْ قَدِ اشْتَغَلُوا بِلَهْوِهِمْ وَلَعِبِهِمْ. {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ} يَخْتَصِمَانِ وَيَتَنَازَعَانِ، {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} بَنِي إِسْرَائِيلَ، {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} مِنَ الْقِبْطِ، قِيلَ: الَّذِي كَانَ مِنْ شِيعَتِهِ السَّامِرِيُّ، وَالَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ مِنَ الْقِبْطِ، قِيلَ: طَبَّاخُ فِرْعَوْنَ اسْمُهُ فَلْيَثُونُ. وَقِيلَ: "هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ. وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ" أَيْ: هَذَا مُؤْمِنٌ وَهَذَا كَافِرٌ، وَكَانَ الْقِبْطِيُّ يُسَخِّرُ الْإِسْرَائِيلِيَّ لِيَحْمِلَ الْحَطَبَ إِلَى الْمَطْبَخِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا بَلَغَ مُوسَى أَشُدَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَخْلُصُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِظُلْمٍ حَتَّى امْتَنَعُوا كُلَّ الِامْتِنَاعِ، وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدْ عَزُّوا بِمَكَانِ مُوسَى، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْهُمْ، فوجد موسى رجلان يَقْتَتِلَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْآخَرُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} فَاسْتَغَاثَهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ، وَالِاسْتِغَاثَةُ: طَلَبُ الْغَوْثِ، فَغَضِبَ مُوسَى وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْزِلَةَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَحِفْظَهُ لَهُمْ، وَلَا يَعْلَمُ النَّاسُ إِلَّا أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الرَّضَاعَةِ مِنْ أُمِّ مُوسَى، فَقَالَ لِلْفِرْعَوْنِيِّ: خَلِّ سَبِيلَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَخَذْتُهُ لِيَحْمِلَ الْحَطَبَ إِلَى مَطْبَخِ أَبِيكَ، فَنَازَعَهُ، فقال الفرعوني ٦٢/ألَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَحْمِلَهُ عَلَيْكَ، وَكَانَ مُوسَى قَدْ أُوتِيَ بَسْطَةً فِي الْخَلْقِ وَشِدَّةً فِي الْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ، {فَوَكَزَهُ مُوسَى} وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "فَلَكَزَهُ مُوسَى"، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ. وَقِيلَ: "الْوَكْزُ" الضَّرْبُ في الصدر و"اللكز" فِي الظَّهْرِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الدَّفْعُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْوَكْزُ الدَّفْعُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ، وَفِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ: عَقَدَ مُوسَى ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ وَضَرَبَهُ فِي صَدْرِهِ، {فَقَضَى عَلَيْهِ} أَيْ: فَقَتَلَهُ وَفَرَغَ مِنْ أَمْرِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَرَغْتَ مِنْهُ فَقَدْ قَضَيْتَهُ وَقَضَيْتَ عَلَيْهِ، فَنَدِمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْقَتْلَ، فَدَفَنَهُ فِي الرَّمْلِ، {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} أَيْ: بَيِّنُ الضَّلَالَةِ.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) }
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بِقَتْلِ الْقِبْطِيِّ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ، {فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} بِالْمَغْفِرَةِ، {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا} عَوْنًا، {لِلْمُجْرِمِينَ} قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute