للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْخَمْطُ: ثَمَرُ شَجَرَةٍ يُقَالُ لَهُ فَسْوَةُ الضَّبْعِ، عَلَى صُورَةِ الْخَشْخَاشِ يَتَفَرَّكُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ، فَمَنْ جَعَلَ الْخَمْطَ اسْمًا لِلْمَأْكُولِ فَالتَّنْوِينُ فِي "أُكُلٍ" حَسَنٌ، وَمَنْ جَعَلَهُ أَصْلًا وَجَعَلَ الْأُكُلَ ثَمَرَةً فَالْإِضَافَةُ فِيهِ ظَاهِرَةٌ، وَالتَّنْوِينُ سَائِغٌ، تَقُولُ الْعَرَبُ: فِي بُسْتَانِ فَلَانٍ أَعْنَابُ كَرْمٍ، يُتَرْجِمُ الْأَعْنَابَ بِالْكَرْمِ لِأَنَّهَا مِنْهُ.

{وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} فَالْأَثْلُ هُوَ الطَّرْفَاءُ، وَقِيلَ: هُوَ شَجَرٌ يُشْبِهُ الطَّرْفَاءَ إِلَّا أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَالسِّدْرُ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ شَجَرُ النَّبْقِ يُنْتَفَعُ بِوَرَقِهِ لِغَسْلِ الرَّأْسِ وَيُغْرَسُ فِي الْبَسَاتِينِ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ كَانَ سِدْرًا بَرِّيًّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يَصْلُحُ وَرَقُهُ لِشَيْءٍ.

قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ شَجَرُ الْقَوْمِ مِنْ خَيْرِ الشَّجَرِ فَصَيَّرَهُ اللَّهُ مِنْ شَرِّ الشَّجَرِ بِأَعْمَالِهِمْ.

{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (١٨) }

{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي فَعَلْنَا بِهِمْ جَزَيْنَاهُمْ بِكُفْرِهِمْ، {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ، وَيَعْقُوبُ: "وَهَلْ نُجَازِي" بِالنُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ، "الْكَفُورَ" نُصِبَ لِقَوْلِهِ: "ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ"، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ، "الْكَفُورُ" رُفِعَ، أَيْ: وَهَلْ يُجَازَى مِثْلَ هَذَا الْجَزَاءِ إِلَّا الْكَفُورُ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُجَازَى أَيْ: يُعَاقَبُ. وَيُقَالُ فِي الْعُقُوبَةِ: يُجَازِي، وَفِي الْمَثُوبَةِ يَجْزِي.

قَالَ مُقَاتِلٌ: هَلْ يُكَافَأُ بِعَمَلِهِ السَّيِّءِ إِلَّا الْكَفُورُ لِلَّهِ فِي نِعَمِهِ.

قَالَ الْفَرَّاءُ: الْمُؤْمِنُ يُجْزَى وَلَا يُجَازَى، أَيْ: يُجْزَى لِلثَّوَابِ بِعَمَلِهِ وَلَا يُكَافَأُ بِسَيِّئَاتِهِ. {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بِالْمَاءِ وَالشَّجَرِ، هِيَ قُرَى الشَّامِ، {قُرًى ظَاهِرَةً} مُتَوَاصِلَةً تَظْهَرُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْأُولَى لِقُرْبِهَا مِنْهَا، وَكَانَ مَتْجَرُهُمْ مَنَ الْيَمَنِ إِلَى الشَّامِ فَكَانُوا يَبِيتُونَ بِقَرْيَةٍ وَيَقِيلُونَ بِأُخْرَى وَكَانُوا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى حَمْلِ زَادٍ مِنْ سَبَأٍ إِلَى الشَّامِ.

وَقِيلَ: كَانَتْ قُرَاهُمْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَسَبْعَمِائَةِ قَرْيَةٍ مُتَّصِلَةٍ مِنْ سَبَأٍ إِلَى الشَّامِ.

{وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} أَيْ: قَدَّرْنَا سَيْرَهُمْ بَيْنَ هَذِهِ الْقُرَى، وَكَانَ مَسِيرُهُمْ فِي الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ عَلَى قَدْرِ نِصْفِ يَوْمٍ، [فَإِذَا سَارُوا نِصْفَ يَوْمٍ] (١) وَصَلُوا إِلَى قَرْيَةٍ ذَاتِ مِيَاهٍ وَأَشْجَارٍ.


(١) ما بين القوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>