للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} (١) .

{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} بِأَنَّكَ كَاذِبٌ، {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} قَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّكْذِيبِ، وَالتَّكْذِيبُ هُوَ أَنْ تَنْسُبَهُ إِلَى الْكَذِبِ، وَتَقُولَ لَهُ: كَذَبْتَ، وَالْإِكْذَابُ هُوَ أَنْ تَجِدَهُ كَاذِبًا، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَجْدَبْتُ الْأَرْضَ وَأَخْصَبْتُهَا إِذَا وَجَدْتُهَا جَدْبَةً وَمُخَصَّبَةً، {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} يَقُولُ: إِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ فِي السِّرِّ لِأَنَّهُمْ عَرَفُوا صِدْقَكَ فِيمَا مَضَى، وَإِنَّمَا يُكْذِّبُونَ وَحْيِي وَيَجْحَدُونَ آيَاتِي، كَمَا قَالَ: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ" (النَّمْلِ، ٩٤) .

{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥) }

{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ كَمَا كَذَّبَتْكَ قُرَيْشٌ، {فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} بِتَعْذِيبِ مَنْ كَذَّبَهُمْ، {وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} لَا نَاقِضَ لِمَا حَكَمَ بِهِ، وَقَدْ حَكَمَ فِي كِتَابِهِ بِنَصْرِ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَقَالَ: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصَّافَّاتِ، ١٧١-١٧٢) ، وَقَالَ: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا) (غَافِرٍ، ٥١) وَقَالَ: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (الْمُجَادَلَةِ، ٢١) ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ: لَا خُلْفَ [لِعِدَاتِهِ] (٢) {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} وَ {مِنْ} صِلَةٌ كَمَا تَقُولُ: أَصَابَنَا مِنْ مَطَرٍ.

{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} أَيْ: عَظُمَ عَلَيْكَ وَشَقَّ أَنْ أَعْرَضُوا عَنِ الْإِيمَانِ بِكَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْرِصُ عَلَى إِيمَانِ قَوْمِهِ أَشَدَّ الْحِرْصِ، وَكَانُوا إِذْ سَأَلُوا آيَةً أَحَبَّ أَنْ يُرِيَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ طَمَعًا فِي إِيمَانِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا} تَطْلُبَ وَتَتَّخِدَ نَفَقًا سَرَبًا


(١) أخرجه الترمذي من طريق أبي كريب عن علي، في التفسير، سورة الأنعام: ٨ / ٤٣٧، ثم من طريق إسحاق بن منصور عن سفيان عن أبي إسحاق عن ناجية: أن أبا جهل ... وذكر نحوه، ولم يذكر فيه عن علي، وقال: هذا أصح. وحديث علي أخرجه الحاكم في المستدرك: ٢ / ٣١٥ وقال: صحيح على شرط الشيخين، فتعقبه الذهبي قائلا: "ما خرّجا لناجية شيئا". وانظر: أسباب النزول، ص (٢٤٩) ، الطبري: ١١ / ٣٣٤، القرطبي: ٦ / ٤١٦.
(٢) في "ب" "لعدته".

<<  <  ج: ص:  >  >>