للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٤٧) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} يَحْجُبُ قُلُوبَهُمْ عَنْ فَهْمِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ.

قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْأَكِنَّةُ وَالْمَسْتُورُ بِمَعْنَى السَّاتِرِ كَقَوْلِهِ: "إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا" (مَرْيَمَ-٦١) مَفْعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ.

وَقِيلَ مَسْتُورٌ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ فَلَا يَرَوْنَهُ.

وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالْحِجَابِ عَنِ الْأَعْيُنِ الظَّاهِرَةِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ: "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ" جَاءَتِ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ وَمَعَهَا حَجَرٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ تَرَهُ فَقَالَتْ لِأَبِي بَكْرٍ: أَيْنَ صَاحِبُكَ لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ هَجَانِي؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَنْطِقُ بِالشِّعْرِ وَلَا يَقُولُهُ فَرَجَعَتْ وَهِيَ تَقُولُ قَدْ كُنْتُ جِئْتُ بِهَذَا الْحَجَرِ لِأَرْضَخَ رَأْسَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا رَأَتْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا لَمْ يَزَلْ مَلَكٌ بَيْنِي وَبَيْنَهَا يَسْتُرُنِي (١) . {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أَغْطِيَةً {أَنْ يَفْقَهُوهُ} كَرَاهِيَةَ أَنْ يَفْقَهُوهُ. وَقِيلَ: لِئَلَّا يَفْقَهُوهُ، {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} ثِقْلًا لِئَلَّا يَسْمَعُوهُ {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ} يَعْنِي إِذَا قُلْتَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَأَنْتَ تَتْلُوهُ {وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} جَمْعُ "نَافِرٍ" مِثْلِ: قَاعِدٍ وَقُعُودٍ وَجَالِسٍ وَجُلُوسٍ أَيْ نَافِرِينَ. {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} قِيلَ: "بِهِ" صِلَةٌ أَيْ: يَطْلُبُونَ سَمَاعَهُ، {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} وَأَنْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} يَتَنَاجَوْنَ فِي أمرك وقيل: ذو نَجْوَى فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هَذَا مَجْنُونٌ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ كَاهِنٌ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: سَاحِرٌ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: شَاعِرٌ {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ} يَعْنِي: الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابَهُ، {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} مَطْبُوبًا [وَقَالَ مُجَاهِدٌ] (٢)


(١) أخرجه أبو يعلى وابن أبي حاتم. وانظر: تفسير ابن كثير ٣ / ٤٤، ٤ / ٥٦٥-٥٦٦، مجمع الزوائد: ٧ / ١٤٤.
(٢) في "أ": (وقيل) .

<<  <  ج: ص:  >  >>