وَذَلِكَ أَنَّ السَّحَرَةَ قَالُوا: لَوْ كَانَ مَا يَصْنَعُ مُوسَى سِحْرًا لَبَقِيَتْ حِبَالُنَا وَعِصِيُّنَا فَلَمَّا فُقِدَتْ عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ.
{فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} ذَلِيلِينَ مَقْهُورِينَ.
{وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ مُقَاتِلٌ: أَلْقَاهُمُ اللَّهُ. وَقِيلَ: أَلْهَمَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَسْجُدُوا فَسَجَدُوا. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: مِنْ سُرْعَةِ مَا سَجَدُوا كَأَنَّهُمْ أُلْقُوا.
{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فَقَالَ فِرْعَوْنُ: إِيَّايَ تَعْنُونَ فَقَالُوا، {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}
{رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} قَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَ مُوسَى لِكَبِيرِ السَّحَرَةِ تُؤْمِنُ بِي إِنْ غَلَبْتُكَ؟ فَقَالَ: لَآتِيَنَّ بِسِحْرٍ لَا يَغْلِبُهُ سِحْرٌ، وَلَئِنْ غَلَبْتَنِي لِأُومِنَنَّ بِكَ، وَفِرْعَوْنُ يَنْظُرُ.
{قَالَ} لَهُمْ {فِرْعَوْنُ} حِينَ آمَنُوا {آمَنْتُمْ بِهِ} قَرَأَ حَفْصٌ "آمَنْتُمْ" عَلَى الْخَبَرِ هَاهُنَا وَفِي طَهَ وَالشُّعَرَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالِاسْتِفْهَامِ أَآمَنْتُمْ بِهِ، {قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} أَصَدَّقْتُمْ مُوسَى مِنْ غَيْرِ أَمْرِي إِيَّاكُمْ، {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ} أَيْ: صَنِيعٌ صَنَعْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَمُوسَى: {فِي الْمَدِينَةِ} فِي مِصْرَ قَبْلَ خُرُوجِكُمْ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ لِتَسْتَوْلُوا عَلَى مِصْرَ، {لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} مَا أَفْعَلُ بِكُمْ.
{لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ} وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ كُلِّ شِقٍّ طَرَفًا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمُ الْيُمْنَى وَأَرْجُلَكُمُ الْيُسْرَى، {ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} عَلَى شَاطِئِ [نَهْرِ] (١) مِصْرَ.
{قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (١٢٦) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (١٢٧) }
{قَالُوا} يَعْنِي السَّحَرَةَ لِفِرْعَوْنَ، {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} رَاجِعُونَ فِي الْآخِرَةِ.
{وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا} أَيْ: مَا تَكْرَهُ مِنَّا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: وَمَا تَطْعَنُ عَلَيْنَا. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا لَنَا عِنْدَكَ مِنْ ذَنْبٍ تُعَذِّبُنَا عَلَيْهِ، {إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا} ثُمَّ فَزِعُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالُوا:
(١) في "ب": (بحر) .