{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) }
{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا} عَذَّبُوا وَأَحْرَقُوا {الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} يُقَالُ: فَتَنْتَ الشَّيْءَ إِذَا أَحْرَقَتَهُ، نَظِيرُهُ "يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ" (الذَّارِيَاتِ-١٣) {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} بكفرهم ١٨٩/ب {وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} بِمَا أَحْرَقُوا الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ الَّتِي] (١) أَحْرَقُوا بِهَا الْمُؤْمِنِينَ، ارْتَفَعَتْ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأُخْدُودِ، قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالْكَلْبِيُّ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَعَدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ الْقَسَمِ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَوَابُهُ: "قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ" يَعْنِي لَقَدْ قُتِلَ.
وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: جَوَابُهُ: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَخْذَهُ بِالْعَذَابِ إِذَا أَخَذَ الظَّلَمَةَ لَشَدِيدٌ، كَقَوْلِهِ: "إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ" (هُودٍ-١٠٢) . {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} أَيْ يَخْلُقُهُمْ أَوَّلًا فِي الدُّنْيَا ثُمَّ يُعِيدُهُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ. {وَهُوَ الْغَفُورُ} لِذُنُوبِ الْمُؤْمِنِينَ {الْوَدُودُ} الْمُحِبُّ لَهُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْمَوْدُودُ، كَالْحَلُوبِ وَالرَّكُوبِ، بِمَعْنَى الْمَحْلُوبِ وَالْمَرْكُوبِ. وَقِيلَ: يَغْفِرُ وَيَوَدُّ أَنْ يَغْفِرَ، وَقِيلَ: الْمُتَوَدِّدُ إِلَى أَوْلِيَائِهِ بِالْمَغْفِرَةِ. {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "الْمَجِيدِ" بِالْجَرِّ، عَلَى صِفَةِ الْعَرْشِ أَيِ السَّرِيرِ الْعَظِيمِ. وَقِيلَ: أَرَادَ حُسْنَهُ فَوَصَفَهُ بِالْمَجْدِ كَمَا وَصَفَهُ بِالْكَرَمِ، فَقَالَ: "رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" (الْمُؤْمِنُونَ-١١٦) وَمَعْنَاهُ الْكَمَالُ، وَالْعَرْشُ: أَحْسَنُ الْأَشْيَاءِ وَأَكْمَلُهَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى صِفَةِ ذُو الْعَرْشِ. {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ يُرِيدُهُ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ شَيْءٌ طَلَبَهُ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ} قَدْ أَتَاكَ خَبَرُ الْجُمُوعِ الْكَافِرَةِ الَّذِينَ تَجَنَّدُوا
(١) ما بين القوسين ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute