للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ نَوْفٌ الْحِمْيَرِيُّ: كَانَ نَمْلُ ذَلِكَ الْوَادِي أَمْثَالَ الذُّبَابِ (١) . وَقِيلَ: كَالْبَخَاتِيِّ. وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ النَّمْلُ الصَّغِيرُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَتْ تِلْكَ النَّمْلَةُ ذَاتَ جَنَاحَيْنِ. وَقِيلَ: كَانَتْ نَمْلَةً عَرْجَاءَ فَنَادَتْ: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} وَلَمْ تَقُلْ: ادْخُلْنَ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ لَهُمْ قَوْلًا كَالْآدَمِيِّينَ خُوطِبُوا بِخِطَابِ الْآدَمِيِّينَ، {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ} لَا يَكْسَرَنَّكُمْ، {سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} وَالْحَطْمُ الْكَسْرُ، {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} فَسَمِعَ سُلَيْمَانُ قَوْلَهَا، وَكَانَ لَا يَتَكَلَّمُ خَلْقٌ إِلَّا حَمَلَتِ الرِّيحُ ذَلِكَ فَأَلْقَتْهُ فِي مَسَامِعَ سُلَيْمَانَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: سَمِعَ سُلَيْمَانُ كَلَامَهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ. قَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَ اسْمُ تِلْكَ النَّمْلَةِ طَاحِيَةُ، قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ اسْمُهَا جَرْمَى (٢) . فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْحَطْمُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَجُنُودِهِ وَكَانَتِ الرِّيحُ تَحْمِلُ سُلَيْمَانَ وَجُنُودَهَ عَلَى بِسَاطٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟ قِيلَ: كَانَ جُنُودُهُ رُكْبَانًا وَفِيهِمْ مُشَاةٌ عَلَى الْأَرْضِ تُطْوَى لَهُمْ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ تَسْخِيرِ اللَّهِ الرِّيحَ لِسُلَيْمَانَ. قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: عَلِمَ النَّمْلُ أَنَّ سُلَيْمَانَ نَبِيٌّ لَيْسَ فِيهِ جَبْرِيَّةٌ وَلَا ظُلْمٌ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّكُمْ لَوْ لَمْ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ وَطَؤُوكُمْ وَلَمْ يَشْعُرُوا بِكُمْ. وَيُرْوَى أَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا بَلَغَ وَادِي النَّمْلِ حَبَسَ جُنُودَهُ حَتَّى دَخَلَ النَّمْلُ بُيُوتَهُمْ.

{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} قَالَ الزَّجَاجُ: أَكْثَرُ ضَحِكِ الْأَنْبِيَاءِ التَّبَسُّمُ. وَقَوْلُهُ {ضَاحِكًا} أَيْ: مُتَبَسِّمًا. قِيلَ: كَانَ أَوَّلَهُ التَّبَسُّمُ وَآخِرَهُ الضَّحِكُ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهَبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ،


(١) قال ابن كثير في الموضع نفسه: "هكذا رأيته مضبوطا بالياء المثناة من تحت، وإنما هو بالباء الموحدة، وذلك تصحيف، والله أعلم. والغرض: أن سليمان عليه السلام فهم قولها وتبسم ضاحكا من ذلك، وهذا أمر عظيم جدا.
(٢) لا طائل من البحث في صفات هذه النملة واسمها، ولا خبر في ذلك عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصار إليه، وحسبنا ما أخبرنا الله تعالى به من كلام النملة وفهم سليمان له وما في ذلك من دلالة. والله أعلم. وانظر: البداية والنهاية لابن كثير: ٢ / ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>