للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى الدُّنْيَا، أَيِ: ارْجِعْنَا إِلَيْهَا، {نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} فَيُجَابُونَ:

{أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ} حَلَفْتُمْ فِي دَارِ الدُّنْيَا، {مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} عَنْهَا أَيْ: لَا تُبْعَثُونَ. وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} (النَّحْلِ -٣٨) .

{وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦) } .

{وَسَكَنْتُمْ} فِي الدُّنْيَا، {فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بِالْكَفْرِ وَالْعِصْيَانِ، قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ. {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} أَيْ: عَرَفْتُمْ عُقُوبَتَنَا إِيَّاهُمْ، {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} أَيْ: بَيَّنَّا أَنَّ مَثَلَكُمْ كَمَثَلِهِمْ.

{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ} أَيْ: جَزَاءُ مَكْرِهِمْ، {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ} قَرَأَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ} بِالدَّالِ، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِالنُّونِ.

{لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} قَرَأَ الْعَامَّةُ لِتَزُولَ بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى وَنَصْبِ الثَّانِيَةِ.

مَعْنَاهُ: وَمَا كَانَ مَكْرُهُمْ.

قَالَ الْحَسَنُ: إِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَأَضْعَفُ مِنْ أَنْ تَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ.

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ مَكْرَهُمْ لَا يُزِيلُ أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ كَثُبُوتِ الْجِبَالِ.

وَقَرَأَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالْكِسَائِيُّ: " لَتَزُولُ " بِفَتْحِ اللَّامِ الْأُولَى وَرَفْعِ الثَّانِيَةِ، مَعْنَاهُ: إِنَّ مَكْرَهُمْ وَإِنْ عَظُمَ حَتَّى بَلَغَ مَحَلًّا يُزِيلُ الْجِبَالَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى إِزَالَةِ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ شِرْكُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} (مَرْيَمَ -١٩) .

وَيُحْكَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نُمْرُودَ الْجَبَّارِ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ حَقًّا فَلَا أَنْتَهِي حَتَّى أَصْعَدَ السَّمَاءَ فَأَعْلَمَ مَا فِيهَا، فَعَمَدَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَفْرُخٍ مِنَ النُّسُورِ فَرَبَّاهَا حَتَّى شَبَّتْ وَاتَّخَذَ تَابُوتًا، وَجَعَلَ لَهُ بَابًا مِنْ أَعْلَى وَبَابًا مِنْ أَسْفَلَ، وَقَعَدَ نُمْرُودُ مَعَ رَجُلٍ فِي التَّابُوتِ، وَنَصَبَ خَشَبَاتٍ فِي أَطْرَافِ التَّابُوتِ، وجعل على رؤوسها اللَّحْمَ وَرَبَطَ التَّابُوتَ بِأَرْجُلِ النُّسُورِ، فَطِرْنَ وَصَعِدْنَ طَمَعًا فِي اللَّحْمِ، حَتَّى مَضَى يَوْمٌ وَأَبْعَدْنَ فِي الْهَوَاءِ، فَقَالَ نُمْرُودُ لِصَاحِبِهِ: افْتَحِ الْبَابَ الْأَعْلَى وَانْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ هَلْ قَرَبْنَاهَا، فَفَتَحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>