للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عُمُرًا وَجُعِلَتْ مُعْجِزَتُهُ فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ عَمَّرَ أَلْفَ سَنَةٍ فَلَمْ تَسْقُطْ لَهُ سِنٌّ وَلَمْ تَشِبْ لَهُ شَعْرَةٌ وَلَمْ تَنْتَقِصْ لَهُ قُوَّةٌ، وَلَمْ يَصْبِرْ نَبِيٌّ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ مَا صَبَرَ هُوَ عَلَى طُولِ عُمُرِهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} وَهُمْ أَوْلَادُ يَعْقُوبَ، {وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ: {زُبُورًا} وَالزُّبُورُ بِضَمِّ الزَّايِ حَيْثُ كَانَ، بِمَعْنَى: جَمْعُ زَبُورٍ، أَيْ آتَيْنَا دَاوُدَ كُتُبًا وَصُحُفًا مَزْبُورَةً، أَيْ: مَكْتُوبَةً، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَهُوَ اسْمُ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ فِيهِ التَّحْمِيدُ وَالتَّمْجِيدُ وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ دَاوُدُ يَبْرُزَ إِلَى الْبَرِيَّةِ فَيَقُومُ وَيَقْرَأُ الزَّبُورَ وَيَقُومُ مَعَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَقُومُونَ خَلْفَهُ وَيَقُومُ النَّاسُ خَلْفَ الْعُلَمَاءِ، وَيَقُومُ الْجِنُّ خَلْفَ النَّاسِ، الْأَعْظَمُ فَالْأَعْظَمُ، وَالشَّيَاطِينُ خَلْفَ الْجِنِّ وَتَجِيءُ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي الْجِبَالِ فَيَقُمْنَ بَيْنَ يَدَيْهِ تَعَجُّبًا لِمَا يَسْمَعْنَ مِنْهُ، وَالطَّيْرُ ترفرف على رؤوسهم، فَلِمَا قَارَفَ الذَّنْبَ لَمْ يَرَ ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ: ذَاكَ أُنْسُ الطَّاعَةِ، وَهَذِهِ وَحْشَةُ الْمَعْصِيَةِ.

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ رَأَيْتَنِي الْبَارِحَةَ وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ لَقَدْ أُعْطِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ"، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَمِعُ لَحَبَّرْتُهُ لحَبَّرْتُهُ" (١) وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا رَآهُ يَقُولُ: ذَكِّرْنَا يَا أَبَا مُوسَى، فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ.

{وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ} أَيْ: وَكَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَإِلَى الرُّسُلِ، {وَرُسُلًا} نُصِبَ بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَقَصَصْنَا عَلَيْكَ رُسُلًا وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ " وَرُسُلٌ قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ " {وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تُسَمِّي مَا يُوصَلُ إِلَى الْإِنْسَانِ كَلَامًا بِأَيِّ طَرِيقِ وَصَلَ، وَلَكِنْ لَا تُحَقِّقُهُ بِالْمَصْدَرِ، فَإِذَا حُقِّقَ بِالْمَصْدَرِ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا حَقِيقَةَ الْكَلَامِ -كَالْإِرَادَةِ -يُقَالُ: أَرَادَ فَلَانٌ إِرَادَةً، يُرِيدُ (٢) حَقِيقَةَ الْإِرَادَةِ،


(١) أخرجه البخاري في فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن: ٩ / ٩٢، ومسلم في صلاة المسافرين، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن برقم (٧٩٣) : ١ / ٥٤٦، كلاهما دون قول أبي موسى: لو علمت لحبرته لك تحبيرا. قال ابن حجر في الفتح: ٩ / ٩٣ "وأخرجه أبو يعلى من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه بزيادة فيه، فذكر الحديث فقال: أما إني لو علمت بمكانك لحيرته لك تحبيرا".
(٢) في أ: (يراد) .

<<  <  ج: ص:  >  >>