طَالُوتَ بِالْعَصَا فَكَانَتْ طُولَهُ، فَقَالَ لِطَالُوتَ قَرِّبْ رَأْسَكَ فَقَرَّبَهُ فَدَهَنَهُ بِدُهْنِ الْقُدْسِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنْتَ مَلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أُمَلِّكَكَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ طَالُوتُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ سِبْطِي أَدْنَى أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَيْتِي أَدْنَى بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ (قَالَ بَلَى) (١) قَالَ فَبِأَيِّ آيَةٍ قَالَ: بِآيَةِ أَنَّكَ تَرْجِعُ وَقَدْ وَجَدَ أَبُوكَ حُمُرَهُ فَكَانَ كَذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا} أَيْ مِنْ أَيْنَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا {وَنَحْنُ أَحَقُّ} أَوْلَى {بِالْمُلْكِ مِنْهُ} وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ سِبْطَانِ: سِبْطُ نُبُوَّةٍ وَسِبْطُ مَمْلَكَةٍ، فَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ سِبْطَ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ وَمِنْهُ كَانَ مُوسَى وَهَارُونُ وَسِبْطُ الْمَمْلَكَةِ سِبْطُ يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبَ وَمِنْهُ كَانَ دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ وَلَمْ يَكُنْ طَالُوتُ مِنْ أَحَدِهِمَا إِنَّمَا كَانَ مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ وَكَانُوا عَمِلُوا ذَنْبًا عَظِيمًا، كَانُوا يَنْكِحُونَ النِّسَاءَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ نَهَارًا فَغَضِبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَنَزَعَ الْمُلْكَ وَالنُّبُوَّةَ عَنْهُمْ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ سِبْطَ الْإِثْمِ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ ذَلِكَ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ سِبْطِ الْمَمْلَكَةِ وَمَعَ ذَلِكَ قَالُوا هُوَ فَقِيرٌ {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ} اخْتَارَهُ {عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً} فَضِيلَةً وَسَعَةً {فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي وَقْتِهِ وَقِيلَ: إِنَّهُ أَتَاهُ الْوَحْيُ حِينَ أُوتِيَ الْمُلْكَ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ} بِالْحَرْبِ وَفِيِ (الْجِسْمِ) بِالطُّولِ وَقِيلَ الْجِسْمُ بِالْجَمَالِ وَكَانَ طَالُوتُ أَجْمَلَ رَجُلٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَعْلَمَهُمْ {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} قِيلَ الْوَاسِعُ ذُو السَّعَةِ وَهُوَ الَّذِي يُعْطِي عَنْ غِنًى، وَالْعَلِيمُ الْعَالِمُ، وَقِيلَ الْعَالِمُ بِمَا كَانَ وَالْعَلِيمُ بِمَا يَكُونُ فَقَالُوا لَهُ: فَمَا آيَةُ مُلْكِهِ؟ فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ}
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨) }
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ} وَكَانَتْ قِصَّةُ التَّابُوتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ تَابُوتًا عَلَى آدَمَ فِيهِ صُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَكَانَ مِنْ عُودِ الشِّمْشَاذِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فِي ذِرَاعَيْنِ، فَكَانَ عِنْدَ آدَمَ إِلَى أَنْ مَاتَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ شِيثَ ثُمَّ تَوَارَثَهَا أَوْلَادُ آدَمَ إِلَى أَنْ بَلَغَ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ كَانَ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ أَكْبَرَ وَلَدِهِ ثُمَّ عِنْدَ يَعْقُوبَ ثُمَّ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى مُوسَى فَكَانَ مُوسَى يَضَعُ فِيهِ التَّوْرَاةَ وَمَتَاعًا مِنْ مَتَاعِهِ، فَكَانَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ تَدَاوَلَتْهُ
(١) ساقط من (أ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute