للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} يَعْنِي: الْأَسْرَابَ، وَالْغِيرَانَ، وَاحِدُهَا كُنٌّ {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ} قُمُصًا مِنَ الْكَتَّانِ وَالْقَزِّ، وَالْقُطْنِ، وَالصُّوفِ، {تَقِيكُمُ} تَمَنَعُكُمْ، {الْحَرَّ} قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: أَرَادَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} يَعْنِي: الدُّرُوعَ، وَالْبَأْسُ: الْحَرْبُ، يَعْنِي: تَقِيكُمْ فِي بَأْسِكُمُ السِّلَاحَ أَنْ يُصِيبَكُمْ.

{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} تُخْلِصُونَ لَهُ الطَّاعَةَ.

قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: إِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِمْ، فَقَالَ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا، وَمَا جَعَلَ [لَهُمْ] (١) مِنَ السُّهُولِ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ جِبَالٍ كَمَا قَالَ: "وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا" لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ وَبَرٍ، وَشَعْرٍ، وَكَمَا قَالَ: "وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ" (النُّورِ-٤٣) وَمَا أَنْزَلَ مِنَ الثَّلْجِ أَكْثَرُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الثَّلْجَ. وَقَالَ: "تَقِيكُمُ الْحَرَّ" وَمَا تَقِي مِنَ الْبَرْدِ أَكْثَرُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ حَرٍّ.

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٨٢) يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (٨٣) }

{فَإِنْ تَوَلَّوْا} فَإِنْ أَعْرَضُوا فَلَا يَلْحَقُكَ فِي ذَلِكَ عَتَبٌ وَلَا سِمَةُ تَقْصِيرٍ، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ} قَالَ السُّدِّيُّ يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} يُكَذِّبُونَ بِهِ.

وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ الْإِسْلَامُ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: يَعْنِي مَا عَدَّ لَهُمْ مِنَ النِّعَمِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، يُقِرُّونَ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ إِذَا قِيلَ لَهُمْ: تَصَدَّقُوا وَامْتَثِلُوا أَمْرَ اللَّهِ فِيهَا، يُنْكِرُونَهَا فَيَقُولُونَ: وَرِثْنَاهَا مِنْ آبَائِنَا.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لَهُمْ هَذِهِ النِّعَمَ قَالُوا: نَعَمْ، هَذِهِ كُلُّهَا مِنَ اللَّهِ، وَلَكِنَّهَا بِشَفَاعَةِ آلِهَتِنَا.

وَقَالَ عَوْفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَوْلَا فُلَانٌ لَكَانَ كَذَا، وَلَوْلَا فُلَانٌ لَمَا كَانَ كَذَا (٢) . {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} الْجَاحِدُونَ.


(١) ساقط من "ب".
(٢) قال الطبري: (١٤ / ١٥٨) : "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، وأشبهها بتأويل الآية، قول من قال: عنى بالنعمة التي ذكرها في قوله "يعرفون نعمة الله" النعمة عليهم بإرسال محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم داعيا إلى ما بعثه بدعائهم إليه، وذلك أن هذه الآية بين آيتين كلتاهما خبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعما بعث به، فأولى ما بينهما أن يكون في معنى ما قبله وما بعده، إذ لم يكن معنى يدل على انصرافه عما قبله وعما بعده ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>