للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَاءَ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} بِقُلُوبِكُمْ {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} اخْتَلَفُوا فِي السِّرِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الزِّنَا كَانَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ أَجْلِ الزَّنْيَةِ وَهُوَ يَتَعَرَّضُ بِالنِّكَاحِ وَيَقُولُ لَهَا: دَعِينِي فَإِذَا أَوْفَيْتِ عِدَّتَكِ أَظْهَرْتُ نِكَاحَكِ، هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَعَطَاءٍ وَرِوَايَةُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَيْ لَا يَنْكِحُهَا سِرًّا فَيُمْسِكُهَا فَإِذَا حَلَّتْ أَظْهَرَ ذَلِكَ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ فَإِنِّي نَاكِحُكِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ لَا يَأْخُذُ مِيثَاقَهَا أَنْ لَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَا يَنْكِحُهَا وَلَا يَخْطُبُهَا فِي الْعِدَّةِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: السِّرُّ هُوَ الْجِمَاعُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ لَا تَصِفُوا أَنْفُسَكُمْ لَهُنَّ بِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ فَيَقُولُ آتِيكِ الْأَرْبَعَةَ وَالْخَمْسَةَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، وَيُذْكَرُ السِّرُّ وَيُرَادُ بِهِ الجماع قال امرئ الْقَيْسِ: أَلَّا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي ... كَبِرْتُ وَأَلَّا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي

إِنَّمَا قِيلَ لِلزِّنَا وَالْجِمَاعِ سِرٌّ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي خَفَاءٍ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} أَيْ لَا تُحَقِّقُوا الْعَزْمَ عَلَى عُقْدَةِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ أَيْ: حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَسَمَّاهَا اللَّهُ كِتَابًا لِأَنَّهَا فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ" أَيْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} أَيْ فَخَافُوا اللَّهَ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ.

{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} أَيْ وَلَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَلَمْ تَفْرِضُوا، نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَ لَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ٤٠/أ "مَتِّعْهَا وَلَوْ بِقَلَنْسُوَتِكَ" (١) قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " مَا لَمْ تَمَاسُّوهُنَّ " بِالْأَلْفِ هَاهُنَا وَفِي الْأَحْزَابِ عَلَى الْمُفَاعَلَةِ لِأَنَّ بَدَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُلَاقِي بَدَنَ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا" (٣-الْمُجَادَلَةِ) وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تَمَسُّوهُنَّ}


(١) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الكافي الشاف ص٢١: "لم أجده".

<<  <  ج: ص:  >  >>