للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الرُّومَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا سُكَّانَ الشَّامِ [وَكَانَ الشَّامُ] (١) أَقْرَبَ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنَ الْعِرَاقِ، {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} شِدَّةً وَحَمِيَّةً. قَالَ الْحَسَنُ: صَبْرًا عَلَى جِهَادِهِمْ، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} بِالْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ.

{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) } .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} يَقِينًا. كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ هَذَا اسْتِهْزَاءً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} يَقِينًا وَتَصْدِيقًا، {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} يَفْرَحُونَ بِنُزُولِ الْقُرْآنِ.

{وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} شَكٌّ وَنِفَاقٌ، {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} أَيْ: كُفْرًا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَعِنْدَ نُزُولِ كُلِّ سُورَةٍ يُنْكِرُونَهَا يَزْدَادُ كُفْرُهُمْ بِهَا.

قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذِهِ الْآيَةُ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِيمَانِ: يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.

وَكَانَ عُمَرُ يَأْخُذُ بِيَدِ الرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: تَعَالَوْا حَتَّى نَزْدَادَ إِيمَانًا.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إِنَّ الْإِيمَانَ يَبْدُو لَمْظَةً (٢) بَيْضَاءَ فِي الْقَلْبِ، فَكُلَّمَا ازْدَادَ الْإِيمَانُ عِظَمًا ازْدَادَ ذَلِكَ الْبَيَاضُ حَتَّى يَبْيَضَّ الْقَلْبُ كُلُّهُ، وَإِنَّ النِّفَاقَ يَبْدُو لَمْظَةً سَوْدَاءَ فِي الْقَلْبِ فَكُلَّمَا ازْدَادَ النِّفَاقُ ازْدَادَ ذَلِكَ السَّوَادُ حَتَّى يَسْوَدَّ الْقَلْبُ كُلُّهُ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ شَقَقْتُمْ عَنْ قَلْبٍ مُؤْمِنٍ لَوَجَدْتُمُوهُ أَبْيَضَ وَلَوْ شَقَقْتُمْ عَنْ قَلْبٍ مُنَافِقٍ لَوَجَدْتُمُوهُ أَسْوَدَ (٣) .

قَوْلُهُ: {وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} .

قَوْلُهُ: {أَوَلَا يَرَوْنَ} قَرَأَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ: "تَرَوْنَ" بِالتَّاءِ عَلَى خِطَابِ النَّبِيِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، خَبَرٌ عَنِ الْمُنَافِقِينَ الْمَذْكُورِينَ. {أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ} يُبْتَلُونَ {فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} بِالْأَمْرَاضِ


(١) ساقط من "أ".
(٢) في النهاية لابن الأثير: يبدأ لمظة. واللمظة: -بالضم-: مثل النكتة، من البياض.
(٣) أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث: ٣ / ٤٦٠، وابن المبارك في الزهد، وخشيش في الاستقامة، والبيهقي، واللالكائي في السنة، والأصبهاني في المحجة. انظر: كنز العمال: ١ / ٤٠٦-٤٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>