للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّهِ، قَالَ: "إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظَرِ السَّاعَةَ". قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظَرِ السَّاعَةَ". (١)

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} فَمِنْ أَيْنَ لَهُمُ التَّذَكُّرُ وَالِاتِّعَاظُ وَالتَّوْبَةُ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ؟ نَظِيرُهُ: "يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى" (الْفَجْرِ-٢٣) .

{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (١٩) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} قِيلَ: الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَاثْبُتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: فَازْدَدْ عِلْمًا عَلَى عِلْمِكَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَابْنُ عُيَيْنَةَ: هُوَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ مَعْنَاهُ: إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَفْزَعَ عِنْدَ قِيَامِهَا إِلَّا إِلَى اللَّهِ. وَقِيلَ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَنَّ الْمَمَالِكَ تَبْطُلُ عِنْدَ قِيَامِهَا، فَلَا مُلْكَ وَلَا حُكْمَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلَّهِ، {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} أَمْرٌ بِالِاسْتِغْفَارِ مَعَ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ لِتَسْتَنَّ بِهِ أُمَّتُهُ.

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنِ الْأَغَرِّ الْمُزْنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لِأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ". (٢)

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} هَذَا إِكْرَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ حَيْثُ أَمَرَ نَبِيَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِذُنُوبِهِمْ وَهُوَ الشَّفِيعُ الْمُجَابُ فِيهِمْ، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: "مُتَقَلَّبَكُمْ" مُتَصَرَّفُكُمْ [وَمُنْتَشَرُكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا، "وَمَثْوَاكُمْ" مَصِيرُكُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ إِلَى النَّارِ.

وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَابْنُ جَرِيرٍ: "مُتَقَلَّبَكُمْ" مُنْصَرَفُكُمْ] (٣) لِأَشْغَالِكُمْ بِالنَّهَارِ، "وَمَثْوَاكُمْ" مَأْوَاكُمْ إِلَى مَضَاجِعِكُمْ بِاللَّيْلِ.


(١) أخرجه البخاري في العلم، باب: من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل: ١ / ١٤١-١٤٢.
(٢) أخرجه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة، باب الاستغفار واستحباب الاستغفار والاستكثار منه برقم: (٢٧٠٢) : ٤ / ٢٠٧٥، والمصنف في شرح السنة ٥ / ٧٠.
(٣) ما بين القوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>