للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ} رَوَى أَبُو سَبْرَةَ النَّخَعِيُّ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْعُطَيْفِيِّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ سَبَأٍ كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَرْضًا؟ قَالَ: "كَانَ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ وَلَهُ عَشَرَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، تَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَتَشَاءَمَ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا: فَكِنْدَةُ، وَالْأَشْعَرِيُّونَ، وَأَزْدٌ، وَمُذْحِجٌ، وَأَنْمَارٌ، وَحِمْيَرٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَمَا أَنْمَارٌ؟ قَالَ الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمٌ وَبَجِيلَةُ: وَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا: فَعَامِلَةُ، وَجُذَامُ، وَلَخْمٌ، وَغَسَّانُ، وَسَبَأٌ هُوَ ابْنُ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبِ بْنِ قَحْطَانَ". (١)

{فِي مَسْكَنِهِمْ} قَرَأَ حَمْزَةُ، وَحَفْصٌ: "مَسْكَنِهِمْ" بِفَتْحِ الْكَافِ، عَلَى الْوَاحِدِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الْكَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: "مَسَاكِنِهِمْ" عَلَى الْجَمْعِ، وَكَانَتْ مَسَاكِنُهُمْ بِمَأْرِبَ مِنَ الْيَمَنِ، {آيَةٌ} دَلَالَةٌ عَلَى وَحْدَانِيَّتِنَا وَقُدْرَتِنَا، ثُمَّ فَسَّرَ الْآيَةَ فَقَالَ: {جَنَّتَانِ} أَيْ: هِيَ جَنَّتَانِ بُسْتَانَانِ، {عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} أَيْ: عَنْ يَمِينِ الْوَادِي وَشِمَالِهِ. وَقِيلَ: عَنْ يَمِينِ مَنْ أَتَاهُمْ وَشِمَالِهِ، وَكَانَ لَهُمْ وَادٍ قِيلَ أَحَاطَتِ الْجَنَّتَانِ بِذَلِكَ الْوَادِي {كُلُوا} أَيْ: وَقِيلَ لَهُمْ كُلُوا، {مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ} يَعْنِي: مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّتَيْنِ، قَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَحْمِلُ مِكْتَلَهَا عَلَى رَأْسِهَا وَتَمُرُّ بِالْجَنَّتَيْنِ فَيَمْتَلِىءُ مِكْتَلُهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّ شَيْئًا بِيَدِهَا، (٢) {وَاشْكُرُوا لَهُ} أَيْ: عَلَى مَا رَزَقَكُمْ مِنَ النِّعْمَةِ، وَالْمَعْنَى: اعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ، {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} أَيْ: أَرْضُ سَبَأٍ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ لَيْسَتْ بِسَبْخَةٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَمْ يَكُنْ يُرَى فِي بَلْدَتِهِمْ بَعُوضَةٌ وَلَا ذُبَابٌ وَلَا بُرْغُوثٌ وَلَا عَقْرَبٌ وَلَا حَيَّةٌ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ بِبَلَدِهِمْ وَفِي ثِيَابِهِ الْقَمْلُ فَيَمُوتُ الْقَمْلُ كُلُّهُ مِنْ طِيبِ الْهَوَاءِ، (٣) فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} أَيْ: طَيِّبَةُ الْهَوَاءِ، {وَرَبٌّ غَفُورٌ} قَالَ مُقَاتِلٌ: وَرَبُّكُمْ إِنْ شَكَرْتُمُوهُ فِيمَا رَزَقَكُمْ رَبٌّ غَفُورٌ لِلذُّنُوبِ. {فَأَعْرَضُوا} قَالَ وَهْبٌ: فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَى سَبَأٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَبِيًّا فَدَعَوْهُمْ إِلَى اللَّهِ وَذَكَّرُوهُمْ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ وَأَنْذَرُوهُمْ عِقَابَهُ فَكَذَّبُوهُمْ، وَقَالُوا: مَا نَعْرِفُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا نِعْمَةً فَقُولُوا لِرَبِّكُمْ


(١) أخرجه أبو داود في الحروف: ٦ / ٨ مختصرا، والترمذي في التفسير: ٩ / ٨٨-٨٩ وقال: "هذا حديث غريب حسن" والحاكم: ٢ / ٢٢٤، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٦٨٦-٦٨٧ أيضا لعبد بن حميد والبخاري في التاريخ وابن المنذر وابن مردويه. وانظر: مجمع الزوائد: ٧ / ٩٤٠.
(٢) أخرجه الطبري: ٢٢ / ٧٧ لكن عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٦٨٧ لعبد بن حميد عن قتادة أيضا.
(٣) أخرجه الطبري: ٢٢ / ٧٧، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٦٨٧ لابن أبي حاتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>