{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (١٤) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِي الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) }
{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: "سُعِّرَتْ" بِالتَّشْدِيدِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ: أُوقِدَتْ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ. {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} قُرِّبَتْ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ. {عَلِمَتْ} عِنْدَ ذَلِكَ {نَفْسٌ} أَيْ: كُلُّ نَفْسٍ {مَا أَحْضَرَتْ} مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: "إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ" وَمَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} "لَا" زَائِدَةٌ، مَعْنَاهُ: أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ النُّجُومُ تَبْدُو بِاللَّيْلِ وَتَخْنَسُ بِالنَّهَارِ، فَتُخْفَى فَلَا تُرَى.
وَعَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا: أَنَّهَا الْكَوَاكِبُ تَخْنَسُ بِالنَّهَارِ فَلَا تُرَى، وَتَكْنَسُ تَأْوِي إِلَى مَجَارِيهَا.
وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ النُّجُومُ الْخَمْسَةُ: زُحَلُ، وَالْمُشْتَرَي، وَالْمِرِّيخُ، وَالزُّهَرَةُ، وَعُطَارِدُ، تَخْنَسُ فِي مَجْرَاهَا، أَيْ: تَرْجِعُ وَرَاءَهَا وَتَكْنَسُ: تَسْتَتِرُ وَقْتَ اخْتِفَائِهَا وَغُرُوبِهَا، كَمَا تَكْنَسُ الظِّبَاءُ فِي مُغَارِهَا.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَعْنَى "الْخُنَّسِ" أَنَّهَا تَخْنَسُ أَيْ: تَتَأَخَّرُ عَنْ مَطَالِعِهَا فِي كُلِّ عَامٍ تَأَخُّرًا تَتَأَخَّرُهُ عَنْ تَعْجِيلِ ذَلِكَ الطُّلُوعِ، تَخْنَسُ عَنْهُ. و"الكُنَّس" ١٨٦/أأَيْ تَكْنَسُ بِالنَّهَارِ فَلَا تُرَى. وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهَا هِيَ الْوَحْشُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ الظِّبَاءُ. وَهِيَ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَأَصْلُ الْخُنُوسِ: الرُّجُوعُ إِلَى وَرَاءُ، وَالْكُنُوسُ: أَنْ تَأْوِيَ إِلَى مَكَانِسِهَا، وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا الْوُحُوشُ. {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} قَالَ الْحَسَنُ: أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: أَدْبَرَ. تَقُولُ الْعَرَبُ: عَسْعَسَ اللَّيْلُ وَسَعْسَعَ: إِذَا أَدْبَرَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا الْيَسِيرُ. {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} أَقْبَلَ وَبَدَا أَوَّلُهُ، وَقِيلَ: امْتَدَّ ضَوْءُهُ وَارْتَفَعَ. {إِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآنَ {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} يَعْنِي جِبْرِيلَ أَيْ: نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute