{عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} قِيلَ: أَرَادَ بِفِرْعَوْنَ آلَ فِرْعَوْنَ، أَيْ: عَلَى خَوْفٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ، كما قال: " واسئل الْقَرْيَةَ " (يُوسُفَ -٨٢) أَيْ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ: "وَمَلَئِهِمْ" وَفِرْعَوْنُ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ إِذَا ذُكِرَ يُفْهَمُ مِنْهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، كَمَا يُقَالُ: قَدِمَ الْخَلِيفَةُ يُرَادُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ. وَقِيلَ: أَرَادَ مَلَأَ الذُّرِّيَّةِ، فَإِنَّ مَلَأَهُمْ كَانُوا مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ. {أَنْ يَفْتِنَهُمْ} أَيْ: يَصْرِفَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَلَمْ يَقُلْ يَفْتِنُوهُمْ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ فِرْعَوْنَ وَكَانَ قَوْمُهُ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِرْعَوْنُ، {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ} لَمُتَكَبِّرٍ، {فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} الْمُجَاوَزِينَ الْحَدَّ، لِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا فَادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ.
{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٨٦) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) } .
{وَقَالَ مُوسَى} لِمُؤْمِنِي قَوْمِهِ، {يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} .
{فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} اعْتَمَدْنَا، ثُمَّ دَعَوْا فَقَالُوا، {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أَيْ: لَا تُظْهِرْهُمْ عَلَيْنَا وَلَا تُهْلِكْنَا بِأَيْدِيهِمْ، فَيَظُنُّوا أَنَّا لَمْ نَكُنْ عَلَى الْحَقِّ فَيَزْدَادُوا طُغْيَانًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تُعَذِّبْنَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ، فَيَقُولُ قَوْمُ فِرْعَوْنَ: لَوْ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ لَمَا عُذِّبُوا وَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ خَيْرٌ مِنَّا فيُفْتَتَنُوا.
{وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ} هَارُونَ، {أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} يُقَالُ: تَبَوَّأَ فَلَانٌ لِنَفْسِهِ بَيْتًا وَمَضْجَعًا إِذَا اتَّخَذَهُ، وَبَوَّأْتُهُ أَنَا إِذَا اتَّخَذْتُهُ لَهُ، {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} قَالَ أكثر المفسرين: ١٧١/ب كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي كَنَائِسِهِمْ وبِيَعِهِمْ، وَكَانَتْ ظَاهِرَةً، فَلَمَّا أُرْسِلَ مُوسَى أَمَرَ فِرْعَوْنُ بِتَخْرِيبِهَا وَمَنَعَهَمْ مِنَ الصَّلَاةِ فَأُمِرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا مَسَاجِدَ فِي بُيُوتِهِمْ وَيُصَلُّوا فِيهَا خَوْفًا مِنْ فِرْعَوْنَ، هَذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَعِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خَافَ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ أَنْ يُصَلُّوا فِي الْكَنَائِسِ الْجَامِعَةِ، فَأُمِرُوا بِأَنْ يَجْعَلُوا فِي بُيُوتِهِمْ مَسَاجِدَ مُسْتَقْبِلَةً الْكَعْبَةَ، يُصَلُّونَ فِيهَا سِرًّا. مَعْنَاهُ: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ إِلَى الْقِبْلَةِ.
وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَتِ الْكَعْبَةُ قِبْلَةَ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ.
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} يَا مُحَمَّدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute