للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ تَبْقَى لَهُ بَلْ يُثِيبُهُ عَلَيْهَا وَيُضَعِّفُهَا لَهُ، فَذَاكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ {حَسَنَةٌ} بِالرَّفْعِ، أَيْ: وَإِنْ تُوجَدُ حَسَنَةٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: وَإِنْ تَكُ زِنَةُ الذَّرَّةِ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا، أَيْ: يَجْعَلُهَا أَضْعَافًا كَثِيرَةً. {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْرًا عَظِيمًا فَمَنْ يُقَدِّرُ قَدْرَهُ؟ .

{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [أَيْ: فَكَيْفَ الْحَالُ وَكَيْفَ يَصْنَعُونَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ] (١) يَعْنِي: بِنَبِيِّهَا يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِمَا عَمِلُوا، {وَجِئْنَا بِكَ} يَا مُحَمَّدُ، {عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} شَاهِدًا يَشْهَدُ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ عَلَى مَنْ رَآهُ وَعَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ.

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عنه ٨٥/ب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اقْرَأْ عَلَيَّ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى إِذَا أَتَيْتُ هَذِهِ الْآيَةَ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} قَالَ: "حَسْبُكَ الْآنَ" فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ (٢) .

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَئِذٍ} أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ} قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ "تَسَّوَّى " بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ عَلَى مَعْنَى تَتَسَوَّى، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ الثَّانِيَةُ فِي السِّينِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ عَلَى حَذْفِ تَاءِ التَّفَعُّلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى "لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ" (هُودٍ -١١) وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ عَلَى الْمَجْهُولِ، أَيْ: لَوْ سُوِّيَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ وَصَارُوا هُمْ وَالْأَرْضُ شَيْئًا وَاحِدًا.

وَقَالَ قَتَادَةُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي لَوْ تَخَرَّقَتِ الْأَرْضُ فَسَاخُوا فِيهَا وَعَادُوا إِلَيْهَا ثُمَّ تُسَوَّى بِهِمْ، أَيْ: عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ.

وَقِيلَ: وَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يُبْعَثُوا لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا نُقِلُوا مِنَ التُّرَابِ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً عَلَيْهِمْ.


(١) ساقط من (ب) .
(٢) أخرجه البخاري في التفسير، باب "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد. . ": ٨ / ٢٥٠ عن عمرو بن مرة، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صلاة المسافرين، باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظ. . . برقم (٨٠٠) : ١ / ٥٥١. والمصنف في شرح السنة ٤ / ٤٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>