لَهُمْ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُ بَعْدَمَا عَرَفُوهُ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ.
{أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (٧٤) }
{أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} جُنُونٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، {بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} يَعْنِي بِالصِّدْقِ وَالْقَوْلِ الَّذِي لَا تَخْفَى صِحَّتُهُ وَحُسْنُهُ عَلَى عَاقِلٍ، {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ وَجَمَاعَةٌ: "الْحَقُّ" هُوَ اللَّهُ، أَيْ: لَوِ اتَّبَعَ اللَّهُ مُرَادَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُ، وَقِيلَ: لَوِ اتَّبَعَ مُرَادَهُمْ، فَسَمَّى لِنَفْسِهِ شَرِيكًا وَوَلَدًا كَمَا يَقُولُونَ: {لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} وَقَالَ الْفرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ الْقُرْآنُ أَيْ: لَوْ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِمَا يُحِبُّونَ مِنْ جَعْلِ الشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَهُ {لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا" (الْأَنْبِيَاءِ -٢٢) .
{بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} بِمَا يُذَكِّرُهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ: بِمَا فِيهِ فَخْرُهُمْ وَشَرَفُهُمْ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ" (الْأَنْبِيَاءِ -١٠) ، أَيْ: شَرَفُكُمْ، "وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ" (الزُّخْرُفِ -٤٤) ، أَيْ: شَرَفٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ. {فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ} يَعْنِي عَنْ شَرَفِهِمْ، {مُعْرِضُونَ} {أَمْ تَسْأَلُهُمْ} عَلَى مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، {خَرْجًا} أَجْرًا وَجُعْلًا {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} أَيْ: مَا يُعْطِيكَ اللَّهُ مِنْ رِزْقِهِ وَثَوَابِهِ خَيْرٌ، {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "خَرَاجًا" "فَخَرَاجُ" كِلَاهُمَا بِالْأَلِفِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ كِلَاهُمَا بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: "خَرْجًا" بِغَيْرِ أَلِفٍ "فَخَرَاجُ" بِالْأَلِفِ. {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وَهُوَ الْإِسْلَامُ. {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ} أَيْ: عَنْ دِينِ الْحَقِّ، {لَنَاكِبُونَ} لَعَادِلُونَ مَائِلُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute