للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُخْبِرَكُمْ فَتَتَّكِلُوا هِيَ -وَالَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لَيْلَةَ، سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَنَّى عَلِمْتَ هَذَا؟ قَالَ: بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَفِظْنَا [وَوَعَيْنَا] (١) ، هِيَ وَاللَّهِ [لَا تُنْسَى] (٢) ، قَالَ قُلْنَا لِزِرٍّ: وَمَا الْآيَةُ؟ قَالَ: تَطْلُعُ الشَّمْسُ كَأَنَّهَا طَاسٌ لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ (٣) .

وَمِنْ عَلَامَاتِهَا: مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ رَفَعَهُ: أَنَّهَا لَيْلَةٌ [بَلْجَةٌ] (٤) سَمْحَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، تَطَلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا لَا شُعَاعَ لَهَا (٥) .

وَفِي الْجُمْلَةِ: أَبْهَمَ اللَّهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ لِيَجْتَهِدُوا فِي الْعِبَادَةِ لَيَالِيَ رَمَضَانَ طَمَعًا فِي إِدْرَاكِهَا، كَمَا أَخْفَى سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةَ، وَأَخْفَى الصَّلَاةَ الْوُسْطَى فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَاسْمَهُ الْأَعْظَمَ فِي الْأَسْمَاءِ، وَرِضَاهُ فِي الطَّاعَاتِ لِيَرْغَبُوا فِي جَمِيعِهَا، وَسُخْطَهُ فِي الْمَعَاصِي لِيَنْتَهُوا عَنْ جَمِيعِهَا، وَأَخْفَى قِيَامَ السَّاعَةِ لِيَجْتَهِدُوا فِي الطَّاعَاتِ حَذَرًا مِنْ قِيَامِهَا.

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَمَلَ السِّلَاحِ عَلَى عَاتِقِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ، فَعَجِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ وَتَمَنَّى ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ جَعَلْتَ أُمَّتِي أَقْصَرَ الْأُمَمِ أَعْمَارًا وَأَقَلَّهَا أَعْمَالًا؟ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَقَالَ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} الَّتِي حَمَلَ فِيهَا الْإِسْرَائِيلِيُّ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَكَ وَلِأُمَّتِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (٦) .


(١) في "ب" وعددنا.
(٢) في "ب" لا نستثني.
(٣) أخرجه مسلم في الصيام، باب فضل ليلة القدر والحث عليه برقم: (٧٦٢) : ٢ / ٨٢٨، والمصنف في شرح السنة: ٦ / ٣٨٧.
(٤) أي مشرفة، النهاية: ١ / ١٥١.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن الحسن مرسلا: ٣ / ٥١٤، وعبد الرزاق في المصنف: ٤ / ٢٥٢ - ٢٥٣، قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" ٤ / ٢٦٠: "وقد ورد لليلة القدر علامات أكثرها لا تظهر إلا بعد أن تمضي، منها في صحيح مسلم عن أبي بن كعب - الحديث السابق - وفي رواية لأحمد من حديث: "مثل الطست" ونحوه لأحمد من حديث أبي عون عن ابن مسعود، وزاد: "صافية" ومن حديث ابن عباس نحوه، ولابن خزيمة من حديثه مرفوعا: "ليلة القدر صافية بلجة طلقة لا حارة ولا باردة. . ".
(٦) أخرجه الطبري: ٣ / ٢٨٩ - ٢٩٠، والواحدي في أسباب النزول صفحة (٥٣٣) كلاهما عن مجاهد: وأخرجه أيضا البيهقي في السنن: ٤ / ٣٠٦ وقال: هذا مرسل، وأشار إليه في "شعب الإيمان" ٧ / ٢٦٥. وذكره ابن كثير في التفسير من رواية ابن أبي حاتم عن مجاهد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر رجلا من بني إسرائيل. . وهو منقطع، وفيه مسلم بن خالد الزنجي صدوق له أوهام.

<<  <  ج: ص:  >  >>