للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَلِيلُهُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، (١) وَقِيلَ مَعْنَاهُ مُصَلِّينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ" (٩-الزُّمَرِ) أَيْ مُصَلٍّ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا} {فَرِجَالًا} أَيْ رَجَّالَةً يُقَالُ: رَاجِلٌ وَرِجَالٌ مِثْلُ صَاحِبٍ وَصِحَابٍ وَقَائِمٍ وَقِيَامٍ وَنَائِمٍ وَنِيَامٍ {أَوْ رُكْبَانًا} عَلَى دَوَابِّهِمْ وَهُوَ جَمْعُ رَاكِبٍ، مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْكُمْ أَنْ تُصَلُّوا قَانِتِينَ مُوَفِّينَ لِلصَّلَاةِ حَقَّهَا لِخَوْفٍ فَصَلُّوا مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِكُمْ أَوْ رُكْبَانًا عَلَى ظُهُورِ دَوَابِّكُمْ، وَهَذَا فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ وَالْمُسَايَفَةِ يُصَلِّي حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبَلِهَا وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَصَدَهُ سَبُعٌ أَوْ غَشِيَهُ سَيْلٌ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ فَعَدَا أَمَامَهُ مُصَلِّيًا بِالْإِيمَاءِ يَجُوزُ.

وَالصَّلَاةُ فِي حَالِ الْخَوْفِ عَلَى أَقْسَامٍ فَهَذِهِ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَسَائِرُ الْأَقْسَامِ سَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يُنْتَقَصُ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ بِالْخَوْفِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرَوَى عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً (٢) وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وطاووس وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: أَنَّهُ يُصَلِّي فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ رَكْعَةً، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِذَا كُنْتَ فِي الْقِتَالِ وَضَرَبَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَقُلْ "سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَاذْكُرِ اللَّهَ فَتِلْكَ صَلَاتُكَ" {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} أَيْ فَصَلَّوُا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ تَامَّةً بِحُقُوقِهَا {كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} يَا مَعْشَرَ الرِّجَالِ {وَيَذَرُونَ} أَيْ يَتْرُكُونَ {أَزْوَاجًا} أَيْ زَوْجَاتٍ {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ وَصِيَّةً بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى


(١) رواه البخاري في الوتر - باب: القنوت قبل الركوع وبعده ٢ / ٤٩٠ ورواية البخاري عن أنس قال "قنت رسول الله صلى الله عليه سلم شهرا يدعو على رعل وذكوان وقد روى الحديث أحمد وأبو داود في الصلاة باب القنوت في الصلوات. والمصنف في شرح السنة: ٣ / ١٢٢.
(٢) رواه مسلم: في المسافرين - باب: صلاة المسافرين وقصرها برقم (٦٨٧) ١ / ٤٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>