للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمُحَمَّدٌ هُوَ الْمُسْتَغْرِقُ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، لِأَنَّ الْحَمْدَ لَا يَسْتَوْجِبُهُ إِلَّا الْكَامِلُ وَالتَّحْمِيدُ فَوْقَ الْحَمْدِ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْأَمْرِ فِي الْكَمَالِ، وَأَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَصَفِيَّهُ بِاسْمَيْنِ مُشْتَقَّيْنِ مِنَ اسْمِهِ جَلَّ جَلَالُهُ (مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ) وَفِيهِ يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ عَبْدَهُ ... بِبُرْهَانِهِ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَمْجَدُ

وَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} رَجَعْتُمْ إِلَى دِينِكُمُ الْأَوَّلِ، {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىعَقِبَيْهِ} فَيَرْتَدَّ عَنْ دِينِهِ، {فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} بِارْتِدَادِهِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ نَفْسَهُ، {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) }

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ} قَالَ الْأَخْفَشُ: اللَّامُ فِي {لِنَفْسٍ} مَنْقُولَةٌ تَقْدِيرُهُ: وَمَا كَانَتْ نَفْسٌ لِتَمُوتَ، {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَقِيلَ: بِعِلْمِهِ وَقِيلَ: بِأَمْرِهِ، {كِتَابًا مُؤَجَّلًا} أَيْ: كَتَبَ لِكُلِّ نَفْسٍ أَجَلًا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى تَغْيِيرِهِ وَتَأْخِيرِهِ، وَنُصِبَ الْكِتَابُ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: كَتَبَ كِتَابًا، {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} يَعْنِي: مَنْ يُرِدْ بِطَاعَتِهِ الدُّنْيَا وَيَعْمَلْ لَهَا نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا يَكُونُ جَزَاءً لِعَمَلِهِ، يُرِيدُ نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا نَشَاءُ بِمَا قَدَّرْنَاهُ لَهُ كَمَا قَالَ: " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ " (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ -١٨) نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ تَرَكُوا الْمَرْكَزَ يَوْمَ أُحُدٍ طَلَبًا لِلْغَنِيمَةِ، {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} أَيْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ الْآخِرَةَ، قِيلَ: أَرَادَ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَ أَمِيرِهِمْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ حَتَّى قُتِلُوا. {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} أَيِ: الْمُؤْمِنِينَ الْمُطِيعِينَ.

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُودِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ عَبْدُ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُقْرِئِ، أَنَا أَبِي، أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ طَلَبَ الْآخِرَةِ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ طَلَبَ الدُّنْيَا جَعَلَ اللَّهُ الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَشَتَّتَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَلَا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ" (١) .


(١) أخرجه الترمذي في القيامة باب رقم (١٤) : ٧ / ١٦٥ وفيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف وله شاهد عند ابن ماجه من حديث زيد بن ثابت في الزهد باب الهم في الدنيا برقم (٤١٠٥) : ٢ / ١٣٧٥ قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وأخرجه ابن حبان برقم (٧٢) ص (٤٧) من موارد الظمآن وأحمد في المسند: ٥ / ١٨٣ مطولا عن زيد بن ثابت. وأخرجه المصنف في شرح السنة: ١٤ / ٣٣١. قال الهيثمي: رواه البزار وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف. مجمع الزوائد: ١٠ / ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>