{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} يَعْنِي: قَرَأُوا (١) الْقُرْآنَ، {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} لَنْ تَفْسَدَ وَلَنْ تَهْلَكَ، وَالْمُرَادُ مِنَ التِّجَارَةِ مَا وَعَدَ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: قَوْلُهُ: "يَرْجُونَ" جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ". {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ بِالثَّوَابِ، {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي سِوَى الثَّوَابِ مِمَّا لَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، {إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَغْفِرُ الْعَظِيمَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَيَشْكُرُ الْيَسِيرَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ. {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} يعني: القرآن، و {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} مِنَ الْكُتُبِ، {إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ} يَعْنِي: الْكِتَابَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَهُوَ الْقُرْآنُ، جَعَلْنَاهُ يَنْتَهِي إِلَى، {الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "ثُمَّ" بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَيْ: وَأَوْرَثَنَا، كَقَوْلِهِ: "ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا" (الْبَلَدِ-١٧) ، أَيْ: وَكَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَمَعْنَى "أَوْرَثْنَا" أَعْطَيْنَا، لِأَنَّ الْمِيرَاثَ عَطَاءٌ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
وَقِيلَ: "أَوْرَثْنَا" أَيْ: أَخَّرْنَا، وَمِنْهُ الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ أُخَّرَ عَنِ الْمَيِّتِ، وَمَعْنَاهُ: أَخَّرْنَا الْقُرْآنَ عَنِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَأَعْطَيْنَاكُمُوهُ، وَأَهَّلْنَاكُمْ لَهُ.
{الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَسَّمَهُمْ وَرَتَّبَهُمْ فَقَالَ:
(١) زيادة من "ب".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute