للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَمَرَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْجُمُعَةِ، فَقَالَ: تَفَرَّغُوا لِلَّهِ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا فَاعْبُدُوهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَا تَعْمَلُوا فِيهِ لِصَنْعَتِكُمْ، وَسِتَّةَ أَيَّامٍ لِصِنَاعَتِكُمْ، فَأَبَوْا وَقَالُوا: لَا نُرِيدُ إِلَّا الْيَوْمَ الَّذِي فَرَغَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْخَلْقِ يَوْمَ السَّبْتِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَلَيْهِمْ وَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ فِيهِ ثُمَّ جَاءَهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقَالُوا لَا نُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عِيدُهُمْ بَعْدَ عِيدِنَا -يَعْنُونَ الْيَهُودَ-فَاتَّخَذُوا الْأَحَدَ فَأَعْطَى اللَّهُ الْجُمُعَةَ هَذِهِ الْأُمَّةَ، فَقَبِلُوهَا وَبُورِكَ لَهُمْ فِيهَا.

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّشٍ الزِّيَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ٢٠٣/ب قَالَ: "نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ، فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، فَالْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ" (١) .

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} [قَالَ قَتَادَةُ: الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ هُمُ] (٢) الْيَهُودُ، اسْتَحَلَّهُ بَعْضُهُمْ، وَحَرَّمَهُ بَعْضُهُمْ.

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}

{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) }

{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} بِالْقُرْآنِ، {وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} يَعْنِي مَوَاعِظَ الْقُرْآنِ.

وَقِيلَ: الْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ هِيَ الدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ.

وَقِيلَ: هُوَ الْقَوْلُ اللَّيِّنُ الرَّقِيقُ مِنْ غَيْرِ غِلْظَةٍ وَلَا تَعْنِيفٍ.

{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وَخَاصِمْهُمْ وَنَاظِرْهُمْ بِالْخُصُومَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، أَيْ: أَعْرِضْ عَنْ أَذَاهُمْ، وَلَا تُقَصِّرْ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْحَقِّ، نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ (٣) .


(١) أخرجه البخاري في الجمعة، باب فرض الجمعة: ٢ / ٣٥٤، ومسلم في باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، برقم (٨٥٥) : ٢ / ٥٨٦. والمصنف في شرح السنة: ٤ / ٢٠٠.
(٢) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٣) هذه الآية الكريمة نزلت بمكة المكرمة في وقت الأمر بمهادنة المشركين، وأمر الله تعالى نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين، دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة. فهي محكمة في جهة العصاة من الموحدين، ومنسوخة بالقتال في حق الكافرين. وقد قيل: إن من أمكنت معه هذه الأحوال من الكفار ورجي إيمانه بها دون قتال فهي محكمة، والله أعلم. تفسير القرطبي: ١٠ / ٢٠٠، وأصل الكلام لابن عطية في المحرر الوجيز: ٨ / ٥٤٦، وانظر فيما سبق تفسير الآية (٣) من سورة الحجر: ٤ / ٣٦٨ تعليق (٦) و٣ / ٣٧٣ تعليق (٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>