للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ.

وَاخْتَارَ الزَّجَّاجُ أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ: يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، لِأَنَّ الذِّكْرَ عَلَى بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ يَدُلُّ عَلَى التَّسْمِيَةِ عَلَى نَحْرِهَا، وَنَحْرُ الْهَدَايَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. {فَكُلُوا مِنْهَا} أَمْرُ إِبَاحَةٍ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ مِنْ لُحُومِ هَدَايَاهُمْ شَيْئًا، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ إِذَا كَانَ تَطَوُّعًا يَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ أُضْحِيَّةُ التَّطَوُّعِ لِمَا:

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرْقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكُشْمِيهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فِي قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: وَقَدِمَ عَلِيٌّ بِبَدَنٍ مِنَ الْيَمَنِ وَسَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ وَنَحَرَ عَلِيٌّ مَا بَقِيَ، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُؤْخَذَ بِضْعَةٌ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ فَتُجْعَلَ فِي قِدْرٍ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَحَسِيَا مِنْ مَرَقِهَا (١) .

وَاخْتَلَفُوا فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا؟ مِثْلَ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالدَّمِ الْوَاجِبِ بِإِفْسَادِ الْحَجِّ وَفَوَاتِهِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ؟

فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَلِكَ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يَأْكُلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ، وَيَأْكُلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَمِنْ كُلِّ هَدْيٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ فِدْيَةِ الْأَذَى وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْمَنْذُورِ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ يَأْكُلُ مِنْ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْ وَاجِبٍ سِوَاهُمَا.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} يَعْنِي: الزَّمِنَ الْفَقِيرَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ وَ"الْبَائِسُ" الَّذِي اشْتَدَّ بُؤْسُهُ، وَالْبُؤْسُ شِدَّةُ الْفَقْرِ.

{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) }

{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} التَّفَثُ: الْوَسَخُ وَالْقَذَارَةُ مِنْ طُولِ الشَّعَرِ وَالْأَظَافِرِ وَالشَّعَثِ، تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَنْ تَسْتَقْذِرُهُ: مَا أتْفَثَكَ: أَيْ: مَا أَوَسَخَكَ. وَالْحَاجُّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ، لَمْ يَحْلِقْ شَعْرَهُ وَلَمْ يُقَلِّمْ ظُفْرَهُ، فَقَضَاءُ التَّفَثِ: إِزَالَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ، أَيْ: لِيُزِيلُوا أَدْرَانَهُمْ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْخُرُوجُ عَنِ الْإِحْرَامِ بِالْحَلْقِ، وَقَصِّ الشَّارِبِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَالِاسْتِحْدَادِ، وَقَلْمِ الْأَظْفَارِ، وَلُبْسِ الثِّيَابِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ


(١) قطعة من حديث جابر، أخرجه مسلم برقم (١٢١٨) : ٢ / ٨٩٣، والمصنف في شرح السنة: ٧ / ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>