للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ: {وَإِنْ تَنْتَهُوا} يَقُولُ لِلْكُفَّارِ، إِنْ تَنْتَهُوا عَنِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَقِتَالِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا} لِحَرْبِهِ وَقِتَالِهِ، {نَعُدْ} بِمِثْلِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بِكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقِيلَ: وَإِنْ تَعُودُوا إِلَى الدُّعَاءِ وَالِاسْتِفْتَاحِ نَعُدْ لِلْفَتْحِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ} جَمَاعَتُكُمْ، {شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ "وَأَنَّ اللَّهَ" بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَيْ: وَلِأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، كَذَلِكَ "لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا"، وَقِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: "ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ"، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: "وَإِنَّ اللَّهَ" بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الِابْتِدَاءِ.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) }

قَوْلُهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ} أَيْ: لَا تُعْرِضُوا عَنْهُ، {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} الْقُرْآنَ وَمَوَاعِظَهُ.

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} أَيْ: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ سَمِعْنَا بِآذَانِنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، أَيْ لَا يَتَّعِظُونَ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِسَمَاعِهِمْ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ} أَيْ: شَرُّ مَنْ دَبَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ [مِنْ خَلْقِ اللَّهِ] (١) {الصُّمُّ الْبُكْمُ} عَنِ الْحَقِّ فَلَا يَسْمَعُونَهُ وَلَا يَقُولُونَهُ، {الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وجل، سماهم دواب لِقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِعُقُولِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: "أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ"، (الْأَعْرَافُ -١٧٩) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ عَمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَقُتِلُوا جَمِيعًا بِأُحُدٍ، وَكَانُوا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلَانِ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَسُوَيْبِطُ بن حرملة.

١٤٦/ب {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} أَيْ: لَأَسْمَعَهُمْ سَمَاعَ التَّفَهُّمِ وَالْقَبُولِ، {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنْ لَا خَيْرَ فِيهِمْ مَا انْتَفَعُوا بِذَلِكَ، {لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} لِعِنَادِهِمْ وَجُحُودِهِمُ الْحَقَّ


(١) ما بين القوسين زيادة من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>