{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} [أَيْ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ] (١) ، {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} أَيْ: فِي مَعِيشَتِهَا، أَيْ: أَشَرَّتْ وَطَغَتْ، قَالَ عَطَاءٌ: عَاشُوا فِي الْبَطَرِ فَأَكَلُوا رِزْقَ اللَّهِ وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ، {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمْ يَسْكُنْهَا إِلَّا الْمُسَافِرُونَ وَمَارُّ الطَّرِيقِ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً، مَعْنَاهُ: لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا سُكُونًا قَلِيلًا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَمْ يُعَمَّرْ مِنْهَا إِلَّا أَقَلُّهَا وَأَكْثَرُهَا خَرَابٌ، {وَكُنَّا نَحْنُ، الْوَارِثِينَ} "إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا" (مَرْيَمَ-٤٠) .
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى} أي: القرى الكافر أَهْلُهَا، {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا} يَعْنِي: فِي أَكْبَرِهَا وَأَعْظَمِهَا رَسُولًا يُنْذِرُهُمْ، وَخَصَّ الْأَعْظَمَ بِبَعْثَةِ الرَّسُولِ فِيهَا، لِأَنَّ الرَّسُولَ يُبْعَثُ إِلَى الْأَشْرَافِ، وَالْأَشْرَافُ يَسْكُنُونَ الْمَدَائِنَ، وَالْمَوَاضِعَ الَّتِي هِيَ أُمُّ مَا حَوْلَهَا، {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} قَالَ مُقَاتِلٌ: يُخْبِرُهُمُ الرَّسُولُ أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} مُشْرِكُونَ، يُرِيدُ: أَهْلَكْتُهُمْ بِظُلْمِهِمْ.
{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا} تَتَمَتَّعُونَ بِهَا أَيَّامَ حَيَاتِكُمْ ثُمَّ هِيَ إِلَى فَنَاءٍ وَانْقِضَاءٍ، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أَنَّ الْبَاقِيَ خَيْرٌ مِنَ الْفَانِي. قَرَأَ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ: "تَعْقِلُونَ" بِالتَّاءِ وَأَبُو عَمْرٍو بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّاءِ وَالْيَاءِ.
{أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا} أَيِ الْجَنَّةَ {فَهُوَ لَاقِيهِ} مُصِيبُهُ وَمُدْرِكُهُ وَصَائِرٌ إِلَيْهُ {كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وَيَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} النَّارَ، قَالَ
(١) ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute