للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَرَجَ الْكَلَامُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَلَا عِنْدَ عَدَمِ كَاتِبٍ (١) {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ "فَإِنِ ائْتَمَنَ" يَعْنِي فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَمِينًا عِنْدَ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَمْ يَرْتَهِنْ مِنْهُ شَيْئًا لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِ.

{فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} أَيْ فَلْيَقْضِهِ عَلَى الْأَمَانَةِ {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} فِي أَدَاءِ الْحَقِّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خِطَابِ الشُّهُودِ وَقَالَ: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} ٥١/ب إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى إِقَامَتِهَا نَهَى عَنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ وَأَوْعَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} أَيْ فَاجِرٌ قَلْبُهُ، قِيلَ: مَا أَوْعَدَ اللَّهُ عَلَى شَيْءٍ كَإِيعَادِهِ عَلَى كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ، قَالَ: "فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ" وَأَرَادَ بِهِ مَسْخَ الْقَلْبِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} بَيَانُ الشَّهَادَةِ وَكِتْمَانِهَا {عَلِيمٌ}

{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤) }

{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} مُلْكًا [وَأَهْلُهَا لَهُ عَبِيدٌ وَهُوَ مَالِكُهُمْ] (٢) {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ خَاصَّةٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ [خُصُوصِهَا] (٣) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مُتَّصِلَةٌ بِالْآيَةِ الْأُولَى نَزَلَتْ فِي كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ (٤) أَوْ تُخْفُوا الْكِتْمَانَ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَعِكْرِمَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْكَافِرِينَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي وَإِنْ تُعْلِنُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ وِلَايَةِ الْكُفَّارِ أَوْ تُسِرُّوا يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، وَهُوَ قَوْلُ مُقَاتِلٍ كَمَا ذَكَرَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ "لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" إِلَى أَنْ قَالَ "قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ" (٢٩-آلِ عِمْرَانَ) .


(١) رواه البخاري: في الجهاد - باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه سلم والقميص في الحرب ٦ / ٩٩ ونصه: (توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير) عن عائشة. ومسلم: في المساقاة - باب: الرهن وجوازه في الحضر والسفر برقم (١٦٠٣) ٣ / ١٢٢٦ عن عائشة بلفظ: (اشترى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يهودي طعاما بنسيئة، فأعطاه درعا له رهنا) ، والمصنف في شرح السنة: ٨ / ١٨٢.
(٢) ساقطة من ب.
(٣) في ب تخصيصها.
(٤) في ب معناه وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه أيها الشهود.

<<  <  ج: ص:  >  >>