للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ روح الله وكلمه وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَقُولُ الْيَهُودُ وَلَا كَمَا يَقُولُهُ النَّصَارَى.

وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الرُّوحُ الْمُرَكَّبُ فِي الْخَلْقِ الَّذِي يَحْيَا بِهِ الْإِنْسَانُ وَهُوَ الْأَصَحُّ.

وَتَكَلَّمَ فِيهِ قَوْمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الدَّمُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَيَوَانَ إِذَا مَاتَ لَا يَفُوتُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا الدَّمُ؟

وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ نَفَسُ الْحَيَوَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمُوتُ بِاحْتِبَاسِ النَّفَسِ.

وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ عَرَضٌ.

وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الرُّوحُ مَعْنَى اجْتَمَعَ فِيهِ النُّورُ وَالطِّيبُ وَالْعُلُوُّ وَالْبَقَاءُ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا يَكُونُ الْإِنْسَانُ مَوْصُوفًا بِجَمِيعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ (١) فَإِذَا خَرَجَ ذَهَبَ الْكُلُّ (٢) ؟

وَأُولَى الْأَقَاوِيلِ: أَنْ يُوكَلَ عِلْمُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُطْلِعْ عَلَى الرُّوحِ مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} قِيلَ مِنْ عِلْمِ رَبِّي.

{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} أَيْ: فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ (٣) قِيلَ هَذَا خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقِيلَ: خِطَابٌ لِلْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ وَفِيهَا الْعِلْمُ الْكَثِيرُ.

وَقِيلَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ مَعْنَى الرُّوحِ وَلَكِنْ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ أَحَدًا لِأَنَّ تَرْكَ إِخْبَارِهِ بِهِ كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّتِهِ.

وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ.

{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (٨٦) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يَعْنِي الْقُرْآنَ. مَعْنَاهُ: إِنَّا كَمَا مَنَعْنَا عِلْمَ الرُّوحِ عَنْكَ وَعَنْ غَيْرِكَ لَوْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ يَعْنِي الْقُرْآنَ {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} أَيْ: مَنْ يَتَوَكَّلُ بِرَدِّ الْقُرْآنِ إِلَيْكَ.


(١) في "أ": الأوصاف.
(٢) انظر هذه الأقوال في: زاد المسير: ٥ / ٨٢، الطبري: ١٥ / ١٥٦-١٥٧، ابن كثير: ٣ / ٦٢.
(٣) انظر: زاد المسير: ٥ / ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>